جاءت الإحتفالات بيوم الشهيد المصادف لتاريخ 18 فبراير من كل سنة في ظروف خاصة هذا العام، يميزها تحضير الجزائر للذكرى الستين لإنتزاع إستقلالها من المستعمر الغاشم، الذي إغتصب أراضيها لقرن و32 سنة، جهّل فيها شعبها، وإعتدى على خيراتها وحاول طمس هويتها، لكن الأصالة الجزائرية الضاربة في عمق التاريخ العربي الإسلامي أبت أن تندثر، فكانت له بالمرصاد مقاومات شعبية للشيخ بوبغلة وبوعمامة والمقراني والأمير عبد القادر وقبله أباه محي الدين، ولالة فاطمة نسومر وغيرهم من أشاوس الجزائر، ولم تهدأ النفوس إلا بعدما تم تفجير ثورة الفاتح نوفمبر 1954، التي خططت لها عقول ساسة جزائريين، وفجّرها نساء ورجال أقوياء، فضّلوا المرابضة في الجبال، وإستقبال الموت بصدر مفتوح من أجل حرية أجيال المستقبل.
ستون سنة منذ أن أصبح للجزائر مساحتها الجغرافية المستقلة والمعترف بها دوليا، ومع ذلك يأبى المستعمر وأحفاده وبقايا الحركى وأذنابهم في كل مكان تقبّل الواقع، فعيّنوا أنفسهم أوصياء على بلد المليون ونصف المليون شهيد، تارة بمحاولة التدخل في شؤونه الداخلية، وأخرى بإثارة القلاقل وتحريك النعرات، فما من مطب تحاول الأيادي الخفية إيقاع الجزائر فيه، إلا وكان لباريس دور فيه، فهي التي آوت بالأمس وإلى غاية اليوم اللصوص والخونة ممن أكلوا الغلة وسبوا الملة، ونصّبت نفسها وصية على الجزائر إبان العشرية السوداء، وحاولت الإستثمار في الربيع الأسود الذي عصف بعدة دول عربية في 2012 ليصل إلى الجزائر، لكن هيهات أن يقتنع شعب مطعّم بالوطنية بالثورة على نظامه، لاقتناعه أن الدم واحد والهواء واحد، وغسيلنا ننظفه بيننا بعيدا عن عدو الأمس الذي لن يصبح حبيبا ولو التصقت جبال الأرض بسمائها.
الخرجات الفرنسية لم ولن تنتهي لعدم استساغتها أن مستعمرتها القديمة سائرة نحو التقدم ، ولهذا فهي لم تسلّم إلى اليوم مجرمو الحركتين الإرهابيتن "ماك" و"رشاد" رغم مطالبة الجزائر بهما لثبوت ضلوعهما في أعمال إرهابية بالجزائر، ممثلة في حرائق منطقة القبائل، التي كادت أن تأتي على الأخضر واليابس في صائفة 2021، ولم تسكت كلابها المسعورة عن بلادنا، وعلى رأسها رئيسها المتصابي "ماكرون" في تصريحاته المستفزة عن بلادنا منذ بضعة أشهر أمام الحركى، لمغازلة اليمين المتطرف المعادي للذاكرة التاريخية الجزائرية، ثمّ هاهي القناة الفرنسية – الألمانية "آرتي" تستلم المهمة، بالترويج لسلسلة تلفزيونية بعنوان "ألجي كونفيدونسيال" أو "الجزائر .. سري"، وهو إنتاج لا يمكن وصفه سوى أنه من صنع خيالها ، في محاولة يائسة منها للنبش في الماضي، والإعادة إلى الأذهان سؤال "من يقتل من" الذي كانت تروج له إبان العشرية السوداء لتأجيج الوضع الداخلي أكثر، ودفع البلاد نحو الفوضى، ثم هاهي اليوم هذه القناة التي يتابعها الملايين من الجزائريين تأتي لنا بقصة جديدة ملفقة، عن إختطاف تاجر أسلحة ألماني، والتحقيق الذي باشره ملحق بالسفارة الألمانية في تسعينيات القرن الماضي، والذي وصفته من خلال الإشهار للسلسلة بأنها تحبس الأنفاس.
السؤال المطروح هو لماذا في هذا الوقت بالذات والشعب الجزائري يستعد للإحتفال بالذكرى الثالثة للحراك المبارك، الذي حرره من ممارسات الماضي، وأعطى من خلاله درسا في الوطنية ورقي الأخلاق والتلاحم الشعبي مع جيشه، ما الذي ترمي إليه فرنسا من خلال أبواقها الإعلامية، ومن خلال إستعمالها سياسة العصا والجزرة، بتسليط صحافتها الموالية لنظامها السياسي على الجزائر، وفي المقابل تحاول الدبلوماسية الفرنسية تلطيف الأجواء مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون... إجابة هذا السؤال واحدة... إستقرار بلد الثوار وقبلة الأحرار شوكة حارقة في حلق نطاف ديغول، في ظل مواصلة أحفاد الأمير عبد القادر والعربي بن مهيدي وحسيبة بن بوعلي معركة البناء، من أجل جزائر أفضل.