رأي حار ...حرقة أب

آراء و تعليقات
أقرّ أخيرا بالانتصار الساحق للكآبة، فاسحا المجال بلا مقاومة لأنيابها ومخالبها تقطع فؤاده وتمزق أحشاءه بعدما هدّه الإعياء وغادره الرجاء ، حاول يائسا ترويض وحش البؤس الرابض بداخله بسياط الأمل وقطرة فرح تنسيه طعنات الأسئلة المجترة في كل لحظة وآن حول مصير ابنه الذي امتطى صهوة المقامرة يشق البحر وينشد الحياة من بوابة فتح ثان هناك في الضفة المقابلة ، لكن أحصنة المحرك حرنت في الطريق وجمحت عن تسلق الأمواج فلغة الفتح ماتت مع الرجال ولم يبقى إلا الأهوال... هل تحول ابني إلى مجرد طعام بالمجان يبتلع على مائدة الحيتان، أم صار لعبة مزاجية للأمواج تتقاذفها من صخرة إلى أخرى بين مد ساخر وجزر زاجر ، يا لخبث الليل وغدر النهار ، أنا الذي توسدت أحلامي على رأسه أستيقظ على صفعات الأوهام ،أنشد فقط إجابة واحدة قاتلة هل مات ابني "الحراق" غرقا كي أطفئ حياتي وأتعيش من عتمة الكرب ، هل أصلي على نعشي جنازة الغائب فلم أعد أعي ما حدث وما يحدث، حاربت من أجله 25 سنة أنتزع اللقمة الحلال من فم الجشع وفي الختام لا أشهد من غنائم النصر إلا الوجع والفزع ، صحيح أن في المقلتين سيل من العبرات تمنعها رجولتي الخداعة أن تنهمر فهي مجمدة إلى حين، ما يبعثها لا ينتهي وما يحبسها لا ينقضي، أو ربما هي تنتظر وصول جثمان ابني لتطلق العنان لطقوس حداد لا حدّ له ، لكن ما الواجب فعله إلى أن تتحقق تلك الأمنية الغالية بأن يكون لابني قبر محدد الإقامة ومعلوم الشاهد ، أذهب إليه صباح كل يوم لأقض نومه الثقيل بسؤال آخر يؤرقني، لماذا يا فلذة كبدي قررت قتلي بعد وفاتك ، ليتك أخبرتني بمغامرتك لكنت رجوتك بمداد البحر من توسلات أن لا تترك روحي عرضة لكدمات وهم الحياة ...ليست خاطرة ابنة قلم يراوغ الضجر، بل هي قصة حقيقية لحال أب كمئات الآباء لا يعرف شيئا عن ابنه منذ سنوات ، ذهب في "بوطي" ولم يعد، لا صورة ولا صوت، لكن صدى الصمت الصاخب اخترق طبلة أذنيه وهدّ أسوار عقله فلا يرى في الوجوه إلا وجه ولده ولا ينادي من هم في سنه إلا باسمه، بل صار يقتات ذكراه من فتات أطراف حديث خلانه وأصدقائه، فكم يفرح لما كان يسر ابنه وكم يحزن لما كان يغيظه، تسمّر كل شيء حتى تاريخ الأيام لم يعد موافقا إلا لآخر لحظة جمعته بعاجل نكبته وآجل فاجعته.

يرجى كتابة : تعليقك