يعتبر الدكتور عمر الزاوي من أبرز الشخصيات الإعلامية التي مرت بجريدة "الجمهورية" وتركت بصمتها في مختلف الأقسام، خاصة القسمين الثقافي والوطني، حيث استطاع خلال فترة معينة أن يثبت كفاءته وقدراته في اليومية من خلال مقالات جادة وروبوتاجات هادفة ولقاءات عميقة رفيعة المستوى كان يجريها الدكتور عمر الزاوي مع أبرز الشخصيات الفكرية آنذاك على غرار المفكر الجزائري محمد أركون، وسبب هذا التميز والتألق الإعلامي أن الدكتور عمر الزاوي كان شابا جامعيا مسلحا باللغة الفصيحة والكتابة السليمة والثقافة الفكرية التي نهلها من دراسته واطلاعه الواسع على المجالين الثقافي والسياسي، كما كان يتسم بالطموح الذي ساعده على التميز إلى جانب زملائه الشباب الذين عمل على غرار عمار يزلي وبختي بن عودة رحمه الله .
بداية الدكتور عمار يزلي مع الصحافة كانت بجريدة "الجمهورية" أواخر سنة 1984، فبعد تخرجه مباشرة وحصوله على شهادة الليسانس، التحق بالإعلام عبر مسابقة أُجريت في هذا الاتجاه، وباشرت عمله كصحافي خلال هذه السنة مباشرة في القسم الثقافي الذي كان يرأسه آنذاك الصحفي "بوزيان بن عاشور"، يقول الدكتور عمر الزاوي الذي يشغل اليوم منصب أستاذ بكلية العلوم الاجتماعية ورئيس المجلس العلمي وأستاذ بقسم الفلسفة بجامعة وهران :" كانت بدايتي في جريدة "الجمهورية" جيدة، باعتبار أن بوزيان بن عاشور كان رجلا يهتم بكل قضايا الثقافة والفنون، وأنا أيضا كنت أتقاسم معه مجموعة من الانشغالات الثقافية، على رأسها المسرح الذي كانت لي فيه بعض التجارب خلال فترات متنوعة، وخلال تلك الفترة من الثمانينات كان هناك تنافس كبير لوسائل الإعلام الجزائرية، من بينها جريدة النصر في قسنطينة، المجاهد والشعب في الجزائر العاصمة، وفي الغرب الجزائري كانت يومية "الجمهورية"، وبعدها ظهرت عناوين أخرى مثل ALGERIE ACTUALITE و LE SOIR D’ALGERIE والمساء وغيرها من الصحف، لكن رغم ذلك بقي لـ "الجمهورية "وزنها وسمعتها التي ربما ورثتها عن la republique التي كانت تصدر باللغة الفرنسية، إلى غاية أواسط السبعينات عندما عُربت وأصبحت تصدر باسم " الجمهورية".
ويضيف الدكتور عمر الزاوي قائلا : "من حسن الحظ أنه خلال تلك الفترة كان هناك شباب يتسمون بالكفاءة والطموح في " الجمهورية"، ساهموا في الزخم الكبير الذي كسبته الجريدة، من بينهم بختي بن عودة، جمال الذين زعيتر، وعمار يزلي، ومجموعة من الصحفيين المهنيين،وأنا شخصيا كشاب، كانت البداية بالنسبة لي جيدة جدا، ورغم أنني في البداية تخصصت في الثقافي، لكن هذا لم يمنع من أن ألتحق بأقسام أخرى، منها القسم الوطني والدولي الذي يعنى بكل ما يتعلق بالأحداث السياسية، مع العلم أنني كنت أحضر آنذاك لشهادة " الماجستير "، وبقيت اهتماماتي جامعية وثقافية بكل المعاني والتفاصيل، كانت لي الفرصة أيضا أنني أجريت مجموعة من التحقيقات الثقافية، والحوارات المهمة جدا مع مفكرين وباحثين، ومثقفين وروائيين ومبدعين، على غرار المفكر الجزائري محمد أركون و والروائي طاهر جاوورت وغيرهم، وقد نُشرت في اليومية وفي الجمهورية الأسبوعية التي كان لها أيضا صيت كبير آنذاك،.. كل هذا أعطى زخما وصورة جيدة، والمميز في تلك الفترة أنه كان هناك شباب لهم مستوى جيد جدا وطموحات كبيرة، استطاعوا أن يحدثوا الفرق ويفرضوا أنفسهم من خلال إبرازهم لكل النواحي الجيدة والجميلة في المشهد الجزائري في عمومه وفي تفاصيله، سواء ثقافيا أو سياسيا ..الخ".
وبخصوص فترة العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر خلال التسعينات، والتي أثرت بشكل مباشر على واقع الصحافة وعلى الصحفيين خصوصا، أوضح الدكتور عمر الزاوي أن جريدة " الجمهورية" اصطدمت بمجموعة من الأحداث التي عرفتها الجزائر ابتداء من أحداث 5 أكتوبر 1988، وما تبعها من تغيرات وتحولات جذرية على المستوى السياسي خلال مرحلة التسعينات، وبطبيعة الحال كغيرها من وسائل الإعلام الجزائرية، فقد تعرض صحفيوها إلى تهديدات، وفقدت البعض منهم إثر اغتيالات شنيعة، من بينهم بختي بن عودة وجمال الدين زعيتر رحمهما الله، وبسب هذا الوضع الخطير، قرر عمر الزاوي رفقة جموعة من الصحفيين الذين كان يعمل معهم من بينهم عمار يزلي والمرحوم بن طرمول، التوجه نحو الجامعة، خصوصا أنهم كانوا يملكون شهادات جامعية عليا، وهكذا انتقل الزاوي أواخر سنة 1994 إلى التدريس، لكن هذا لم يمنعه من يكون دائما مرتبطا ومنتميا إلى جريدة" الجمهورية" بكل جوارحه، لأنه بدأ حياتي المهنية كشاب فيها على حد تعبيره "
ويضيف الدكتور عمر الزاوي واصفا علاقته باليومية :" الجمهورية بالنسبة لي المدرسة، فيها تكونتُ وتعلمت فيها، وعرفت كيف أقترب من الفهم السياسي والثقافي والشأن العام بصفة عامة والشأن الإقليمي والدولي، خصوصا أنها كانت تضم إطارات مهمة جدا على مستوى التحرير والتقني والإداري. فهي الوريثة الشرعية لـ La république، والتحول من الفرنسية إلى العربية هو ما ميزها عن باقي الصحف التي كانت موجودة آنذاك، فمثلا جريدة " المجاهد" بدأت بالفرنسية وبقيت بنفس اللغة، ويومية "الشعب" انطلقت مباشرة باللغة العربية، مثلها مثل" النصر" في قسنطينة، وربما فترة التعريب التي شهدتها " الجمهورية" من أبرز خصوصياتها، لاسيما وأن هذه التجربة جعلتها تستفيد من الإرث الذي كان موجودا، والكفاءات التي كانت متوفرة والطاقات التي التحقت بها، وهو ما أعطى وجها جميلا للمؤسسة الإعلامية في تلك الفترة.
تحدث الدكتور الزاوي بالإضافة إلى تجربته المهنية إلى تجربة شخصية عاشها في" الجمهورية"، أين تعرف على الإعلامية " بوزريبة مختارية" التي عملت أيضا في كل الأقسام، وهي اليوم زوجته وأم أولاده، وتدرس أيضا في الجامعة، بالإضافة إلى الصداقات المميزة التي جمعته بالزملاء والأسرة الإعلامية من صحفيين وتقنيين وإداريين، إلى جانب الاهتمامات الفكرية والأكاديمية المشتركة مع صديقه المقرب بختي بن عودة رحمه الله.
وفي الأخير، دعا د.عمر الزاوي الصحفيين الشباب إلى ضرورة الأخذ بناصية التعلم والاستفادة من تجارب الآخرين، معتبرا أن الكفاءة لوحدها لا تكفي،فهو مثلا كان في فترات معنية تسند إليه رئاسة التحرير بالنيابة، عندما يغيب رئيس التحرير "محمد صالح" آنذاك، وكان يسعى جاهدا إلى التعلم منه ومن باقي المسؤولين الذين كانوا يسيرون الجريدة، حيث تعلم كيف يضع عنوان الافتتاح، وواجهة الصفحة الأولى والصفحة 24، وغيرها من التفاصيل والأشياء المهمة .