تشكّل الممارسات الطقوسية، للمجتمع التواتي، حالة من الفيوضات الروحانية والاحتفالية، التي يحجّ إليها الزوّار من القصور المجاورة، فصنعوا لها مقدّسا في نفوسهم، إكراما للولي الصالح، الذي تبرّك القصر به، يدّخرون لها مؤونتها، ويقتصّونها مِن معاش مَن تجب عليهم كفالتهم ونفقتهم.
فمع مجيء الثامن عشر أفريل الفلاحي، من كل عام، يبدأ موسم الزيارات، وبقليل من عناء البحث، في هذا التحديد الزمني لهذه المناسبة الاجتماعية، التي ارتضاها التواتيون، للببرّك بصالحيهم، نجد أن الإنسان التواتي، كيّف هذا الميقات الفصلي، تبعا لما يتيحه له، وضعه الاقتصادي والجغرافي، المحمول على العزلة، وضيق ما في اليد، لذلك جاء انطلاق الوعدات، متزامنا مع موسم حصاد الزرع، لاعتماد القصور التواتية، على المحصول المحلي في إقامة هذه المناسبات، خلال فترة ترسيم هذه المناسبات من الزمن الماضي.
لذلك اكتست هذه المناسبة الجليلة، أهمية اجتماعية كبيرة،بالنظر للمرجعية الروحية لشيخ (لبلادْ) كما يقولون، فلكل قصر من القصور التواتية، ولي يُزار، له ضريح يُجيّر، وإن اختلفت التسميات في المباني، بين الزيارات، والوعدات، والميعاد، فقد اتّحدت في المعاني، والتي تحمل في دلالتها، معنى التبجيل، والتوسّل ببركته.
فقد بدأت الزيارات بسيطة غير مكلّفة، يتمّ الاستعداد لها، بنقل الأطفال الرمل، على غرائر الحمير من الوديان المجاورة، لفرش البيوت بالرمل الأصفر الناعم، وتوفير خروف الدمّان بالبيت، مع ما يحصد من شعير وقمح، لإقامة ولائم الزيارة.
لا يكاد يخلو قصر من القصور الطينية، لتوات الكبرى، المتكونة من قورارة شمالا، وتوات الوسطى، وتيدكلت جنوبا؛ من وجود ضريح ولي من الأولياء، تقام له وعدة سنوية، في يوم مخصوص، من طرف ساكنة القصر، وبالنظر لشخصيات الأضرحة ومراقدها البيضاء، يمكن أن نستشف مبدئيا، أن هذه الشخصيات، تنقسم إلى قسمين، منها العالم الصالح، الذي تحدّثت المصادر التاريخية، عن علمه ومؤلفاته، ومنها المتصوف الزاهد، والدرويش صاحب الكرامات، وهي لا تختص إثنية أو قبيلة معينة، كما أن رمزية تبييض صاحب الضريح، بالجير الأبيض يوم وعدته، يحيل على دلالة صوفية، ترمز للنقاء والصفاء.
وإذا ما حاولنا، البحث في تأسيس هذه المناسبات، فإننا نجدها متأخرة عن اختطاط القصور وعمارتها، فالسواد الأعظم من الزيارات المقامة لأولئك الأولياء، الذين عاشوا خلال القرن الثاني عشر، والثالث عشر، كمولاي عبدالله الرقاني، والرابع عشر الهجري كالشيخ محمد بلكبير، مع نسبة ضئيلة جدا، للتقادم التاريخي، كمولاي سليمان بن علي بأولاد أوشّن، من قصور تيمي، والإمام المغيلي بزاويته وسط توات.
تبدأ مراسم الزيارة، بيوم قبل موعدها الرسمي، تسمى ليلة ذلك اليوم، بليلة (دخول الضيافين)، حيث كان الزوّار، في الزمن الماضي، يسافرون على حميرهم، مما جعلهم يبيتون ليلة قبل الزيارة، وفي صبيحة اليوم الموالي، تُقام طقوس تبييض روضة الولي، بجير محلّي، يسحق في رحى، وتقرأ الأدعية خلال تجيير الضريح، ويتبرّك الناس بجيره.
في العادة، تبدأ قراءة السلكة على روح الولي الطاهر مساء، لتختتم بصلاة المغرب، وإقامة الفاتحة بعد ذلك، ثم يتعشّى الضيوف، ليفسح للزوار جبر خواطرهم وصقلها، برقصات شعبية، كالبارود، أو قرقابو، أو الحضرة، حتى ساعة متأخّرة من اللّيل؛ غير أنه في السنوات الأخيرة، هلّت على المنطقة، بعض التغيّرات الاحتفالية، بالنظر للوعي الثقافي، كإقامة الندوات العلمية التاريخية، التي يتعرّف فيها الزوّار على تاريخ الولي الصالح ومناقبه وكراماته، كما لُوحظ مؤخّرا، إفادة الخيّالة، وتنظيم سباقات الفروسية في فضاء القصور.
ومع ظهور جائحة كرونا، توقّفت جل المناسبات والتجمّعات اضطراريا، مما أوجد جدلا حادا، داخل المجتمع التواتي، بين مؤيد ومعارض لهذا التوقّف القسري للزيارات، فانشقّت صفوف ساكنة القصور، مما حمل بعضهم، من إعلان التوقيف، على شبكات التواصل الاجتماعي، وبالمقابل سماع أصوات نديّة معارضة، معلنة فتح أبواب بيوتها للزائرين.
بعد توقّف كورونا، عادت الزيارات، بوجه محتشم نوعا ما؛ لكن سرعان ما برزت بقوة، مكسّرة مراهنة البعض على التوقيف النهائي، بسبب الوضع الاقتصادي.الثابت الآن، أن الزيارات عادت بقوة، وباتفاق أعيان القصور وقاطنيها.
