صغيرا كنت في المتوسطة الوحيدة بسيدي عيسى، دخل القسم أستاذنا في التاريخ والجغرافيا العيد بن عروس.. يحمل حقيبة ديبلوماسي، دخل علينا مشتت الفكر ..كان يبدو غير راض وقتها على تقرير لأحد مفتشي التربية ( هكذا سمعت وقتها من أصداء وأنا صغير)وضع الحقيبة فوق المكتب.. واقفا كان ينظر يمينا ويسارا، يده في جيب سرواله، في حركة توحي أنه كان سيقول الكثير، لولا أننا كنا صغارا ،كان يمكن أن يلقي محاضرة كاملة عن الذي بداخله. فهو مرغم أن يقول ولو كلمة ..من بحر ..من الكلمات كانت تزور مخيلته التي بقت معلقة في أن يكون له الرد المناسب.. كي يؤكد جدارته بحمل المشعل الذي يؤهله كي يعبر عن الهاجس الذي يمنحه زاوية من هامش لتأكيد أحقيته في أن يكون زعيما لتلك الحقبة الزمنية السبعينية ..
أن يحيل الواقع على أن يرسم لنفسه ولنا أيضا خلاصا في كونه، جديرا بأن يعي البعض من يكون هذا الكاتب العيد بن عروس..؟؟، ومن هي جنسيته الأدبية..؟؟.. وكذا ما يمتلك من شهادات حقيقية تلون مشهده أنه كان الأديب الذي سيغير مجرى التاريخ الأدبي في عموم الجزائر .. جلس في مكتبه.. هكذا كان نظيفا طول الوقت بهندامه المتناسق ، بدلة رسمية توحي أنه سيكون من المشاركين في إحدى مؤتمرات قاعة "سيدي فرج" في الزمن البومديني.. أو قل " النادي الصنوبر ".. رؤية لزخم من كاريزما تطبع لون وشكل هذا الكبير على الأقل في عيوننا نحن الصغار.. ندرس عنده التاريخ والجغرافيا.لكننا لا نعي جيدا حقيقته الذهبية وما في داخل تلك الحقيبة الديبلوماسية من كنوز ذهبية ستسمح لا محالة في أن تجيب على سؤال هو من صميم عنوان إحدى مجموعاته القصصية التي ستصدر لاحقا بعنوان : ( السؤال الذي حير المدينة (. .. ما بداخل الحقيبة تلك هو معنى ومغزى وصيغة ومعلم من معالم التحول لدى أستاذنا العيد بن عروس الذي سيتحول معناه ليراقص معنى آخر، يختلف عن جغرافيا وتاريخ ما كنا نراه ونحن صغار ..عقول الكل صغيرة لا تقوى على فك شيفرة أستاذنا القدير العيد بن عروس ..الذي فتح الحقيبة أمامنا لتتجه صوبنا تحيلنا على مجموعة من الكتب متوسطة الحجم ..ناولني أنا الأول بحكم كنت أجلس في الصفوف الأولى للقسم قبالة مكتبه..ناولي أنا وكذا زميلتي الراحلة بن عروس، أتذكر نسخة نسخة من كتابه ..قرأنا العنوان ( أنا والشمس ) بالخط الكبير والعريض تلون سيميائية صفحة فيها اسم أستاذنا "العيد بن عروس" الذي رأيناه للتو يتحول من التاريخ والجغرافيا إلى الأدب الفاخر .. مجموعة قصصية تدخل بيته وبيتنا جميعا.تؤشر على أستاذنا الذي كان أديبا وكاتبا معروفا ونحن لا ندري، كاتبا من الأسماء المعروفة في الواقع نهاية الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، يؤشر اسمه لجديد سيدخل الساحة الأدبية وكذا الإعلامية ليكون من الأوائل الذين هندسوا ما يسمى بحصة ( المجلة الثقافية(، إعدادا وتقديما. وأصبحنا نرى أستاذنا العيد بن عروس في الشاشة التلفزيونية، وأصبحت الحصة عنوانا لجيل من المثقفين الذين كانوا يؤسسون لنهج ومنهج رسم لنا حكاية أن نعيش أجواء إبداعاتهم وكتاباتهم ..جيل ذهبي علينا أن نذكر أسماءهم كي نكون حتى نحن نعيش فواصلهم، نذكرهم للتاريخ.. نُزكيهم هنا بعد أن سلك واقعنا الحالي أن يعيش لأجواء لا تمُت أحيانا بأي صلة للثقافة حيث أصبحت ثقافة المحتوى والنشطاء والأسماء الأنستغرامية هي من تؤكد المعاني الجديدة للتخمين ومبايعة جديد، صرعات وشطحات هؤلاء الذين يحتويهم المشهد الحالي الذي يحيلك على ثقافة الجسد لا ثقافة المعنى والمبنى ..
أتذكرهم وكلي فرح هم جيل الكاتب الكبير العيد بن عروس : العيد بن عروس، مخلوف عامر، الحبيب السايح، مصطفى فاسي، بشير خلف، عبد العزيز بوباكير، خلاص الجيلالي، أحمد حمدي، حمري بحري، ازراج عمر، عبد العالي رزاقي، محمد الصالح حرز الله، محمد مفلاح، جميلة زنير، إدريس بوديبة، محمد الزتيلي، مبروكة بوساحة، عبد العزيز بوشفيرات..عبد الحميد شكيل ..حسين عبروس ..عبد الله حمادي وآخرون أكون قد نسيتهم فعلا فليعذرني من لم يجد اسمه هنا في القائمة ،وقبلهم كانت أسماء الطاهر وطار . بلقاسم سعد الله، الدكتور عبد الله الركيبي، الدكتور صلاح خرفي..عبد الحميد بن هدوقة.. الأستاذ عمر البرناوي، الدكتور محمد مصايف، المترجم الكبير أبو العيد دودو، د حنفي بن عيسى .. بلقاسم خمار..الأخوة السائحي وآخرون ،.. تذكرت العيد بن عروس أستاذي وتذكرت أنه كتب بعد مجموعته القصصية ( أنا والشمس )، ما أثرى المكتبة الجزائرية عطاءات من إبداعاته الخالدة" : تكسير الرياح"، قصص. (أنا والشمس) ، (زمن الهجير ).. (السؤال الذي حير المدينة) ، (الضباب والمبنى الرمادي) (رسائل في أوراق ...)، (رحلة طائر المواسم) ...( موسيقى العصافير) و(أناشيد الحلم).