ثرثرة من الجنوب....الصحراء.. التلقي والتداول

ثرثرة من الجنوب....الصحراء.. التلقي والتداول
النادي الأدبي
يُثار الجدل دائما، ولا أظنه سينتهي، حول أدب الخصوصية في التجنيس الأدبي، ويشمل كل ما له علاقة خاصة تطبعه، وتوصله ببعضه، كأدب الخيال العلمي، والأدب النّاعم، وأدب المنافي والشتات، وغيرها من التجنيسات القلقة، عند ساداتنا النقّاد. ففي الرواية مثلا، ينتصب الفضاء على بساط عال من الغُنج والدَلاَل،فهو المؤهل لمسرحة الأحداث ، ونسج خيوط الرواية، فلا حدث دون مكان، ولا شخصيات بلا حيّز للتحرّك، ورغم هذه الخصوصية المدافعة والماكرة؛ علينا ألا نستعجل تسويغ فكّ عزلة الخاص، وقولبة النص ــــ أي نص ــــ في قالب متفرّع.كما أن هناك إشكالية أخرى، ترتبط بمفهوم هذا الفضاء كرؤية عامة، تتيه الصحراء نفسها، في مفاهيمه المتداولة؛ مفازة،خواء، رمل، سكون، وثمّة متاهة..الأمر لا يتوقّف عند هذا فحسب؛ إنما تشوّش، في تلقي الصحراء وتداوليتها كمكون. هل هي صحراء الخيمة والناقة، أم صحراء نخيل الفقّارة وقصبات قصور الطين؟، الأكثر من هذا تباين ثقافة الفضاء الواحد والبيئة المشتركة، كما الحال عند الطوارق وأولاد حسّان، من فضاءات الصحراء الكبرى، الملتصقة بالخيمة والناقة، المختلفة في اللغة، والذهنية، والذهنية الجمعية، الحاضنة للثقافات والممارسات الشعبية، وإن بدا للغريب، كأنهما ثقافة واحدة، من خلال اللّباس ونمط العيش. قد لا نجد مشكلة، في صفة المشترك الغالب، بصحراء توات (ولاية أدرار)، المرتبطة بالقصر وساكنيه، والفقّارة مع الواحة، بينما تنشطر صحراء الساورة المجاورة (ولاية بشار)، إلى صحراء القصور والقصبات القارّة، وصحراء البدو الرّحل، وبالتالي فإن مسألة الخصوصية نفسها، محلّ تنازع. لاشيء يجلي هذا التوهّم، سوى ما درج عليه تلاميذ المدارس العربية، من تلقي وتداول الصحراء، كخطاب مرتبط بالخيمة والناقة، والفراغ النائم على وسادة سكونها، لاسيما في ذكر أيام العرب، وحفظ شعرهم الجاهلي، كما أن الاشتغال الروائي على الصحراء، عُبّد طريقه بداية، من طرف كتّاب قدّموا الصحراء وكرّسوها، بهذا المكون الفيزيائي والثقافي، فيما هناك صحار، وليس صحراء أخرى واحدة. من تلك الرؤى التي لامسها التنميط، تقديم صورة الصحراء المهيمنة، وهي نظرة فيها شيء من التعسّف، مقارنة بحجم الصحراء الكبرى ومساحتها وعدّد ثقافاتها، دون وجود نظرة معادلة أو تدنو قليلا منها، عن الحياة القارّة غير المترحّلة بالقصور والقصبات الطينية، فالعربي المشرقي أو الجزائري الشمالي، والغربي إن تُرجم النص، يملكون تصورات متقاربة عن هذا الحيف في التصور. فصحراء الطين، تعمّر حيّزا لا بأس به من هذه الصحراء العامة، يحكمها نظام اجتماعي قديم، تضبطه علاقة الجماعة البشرية الإثنية ، داخل القصر الطيني الواحد، المعروفة باسم (الجْماعة)، المشكّلة من التمثيل القبلي، لها مسؤول وبَرّاح ناطق باسمها، وزواجر تحكم بها، في تسيير المجتمع القصوري، كما لها جامع الجمعة، وغيرها من المشتركات الاجتماعية في الأفراح والأحزان، عكس إنسان البدو، الذي يجد نفسه في خصام مزمن، مع الاستقرار، بحكم وصاله بنجع الكلأ والمرعى. لو أخذنا فرضا بمبدأ العزل، ورحنا نلتمس مكانا لأدب الصحراء أو سرديات الصحراء، ضمن منظومة التجنيس، فإننا سنواجه مشكلا آخر، وهو ما يتعلّق بهذا الأدب نفسه، الذي افترضنا أنه صحراوي، مما سيجعلنا أمام ضائقة أخرى، تغريب الانشطار وترقص حماسة لهذا التوزيع. فعلى سبيل المثال، العادات والتقاليد، أنماط العيش، اليومي، مفهوم الجماعة، الرزق واستمرار الحياة، ففي هذه الأخيرة، التي نعتقد أنها حيوية ووجودية، وتدور عليها مسألة المصير، كالحياة والموت، نجد ارتهان ذلك بالماشية عند البدو، عكس القصر الطيني، الذي تدور حياته حول الفقّارات والواحات. إن أدب الصحراء، وهو يأخذ مفهوم النظرية، لما تراكم منه، وبات يشكّل الظاهرة، يبقى في طور التشكّل؛ لكن ذلك لا ينفي عنه خصوصية البيئة، والثقافة المحلية، التي تبقى التأشيرة، التي تدمغ له هذا التميّز، بين سائر الآداب الأخرى، قبلنا أو رفضنا هذا التخصيص الإشكالي.

يرجى كتابة : تعليقك