ها هو شهر رمضان يطوي مراحله ويحذو رواحله وخير أيامه آواخره وخواتمه ، "وما من يوم يصبح العباد إلا وينادي مناد يا ابن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني فلعلي لا أعود إلى يوم القيامة " هذا في كل يوم من أيام السنة وهو قول يبعث على الحسرة لمن ضيع لياليه وأيامه ، فكيف بمن ضيع العشر المباركات في شهر النفحات التي فيها ليلة خير من ألف شهر ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر إنها ليلة التقدير السنوي وما يكون في السنة من رزق ومطر وحياة وموت قال الله تعالى :"إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم " ، "في ليلة القدر يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبه أمر السنة وما يكون فيها من الأعمال والأرزاق وما يكون فيها إلى آخرها "، إنها ليله القدر وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة الشرف لأنه أنزل فيها كتاب ذا قدر أي ذو شرف على رسول ذي قدر أي ذو شرف على أمة ذي قدر أي ذو شرف ، وما أدراك ما ليلة القدر، هي ليلة البركة ومضاعفة الأجور، قال ربنا :"إنا أنزلناه في ليلة مباركة "وقال صلى الله عليه وسلم :"أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه "ومن أيامه المباركة ليلة القدر فبركه الليلة هي مضاعفة الأجور كما هي حقيقة البركة بأنها الزيادة والنماء والثبوت والاستقرار ليلة القدر خير من ألف شهر قال ابن كثير وقال القرطبي و قال كثير من المفسرين:"أي العمل فيها خير من العمل في الف شهر ليس فيها ليله القدر" وقال مجاهد رحمه الله :"ليلة القدر خير من ألف شهر عملها صيامها وقيامها خير من ألف شهر" ، وقال عمرو بن قيس الملائي :"عمل فيها خير من ألف شهر " وأبلغ من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبك " وقيل إنها سميت بذلك أي بليلة القدر لأن الطاعات فيها قدرا عظيما وثوابا جزيلا ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" لله أي في رمضان ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم "انها ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر، قال ابن كثير أي أن كثرة تنزل الملائكة في هذه الليله لكثرة بركتها والملائكة ينزلون مع تنزل البركة والرحمة كما يتنزلون عند تلاوة القرآن ويحيطون بحلق الذكر، والروح فيها هو جبريل عليه السلام يقول عليه الصلاة والسلام "ليلة القدر ليلى سابعة أو تاسعة وعشرين إن الملائكة تلك الليل في الأرض أكثر من عدد الحصى " ، فتسلم على أهل المساجد حتى يطلع الفجر ، ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر هي ليلة السلامة؛ سلام هي حتى مطلع الفجر، فهي ليلة موصوفة بالسلامة لا يقدر الله عز وجل فيها إلا السلامة لعباده الصالحين أورد الإمام القرطبي عن الضحاك قوله:"لا يقدر الله في تلك الليلة إلا السلامة وفي سائر الليالي يقضي بالبلايا والسلامة" سلام هي حتى مطلع الفجر هي ليلة سلامة الناس من أذية الجن والشياطين روى سعيد ابن منصور عن مجاهد قال:" هي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا أو يعمل فيها اذى"
وإذا كانت ليلة القدر على هذا القدر العظيم مما ذكر كان حريا على العاقل الحريص على الخير من كل جوانبه أن يلتمسها ويدركها حتى يكون من المرحومين ويحرز نفسه من المحرومين المطرودين والعياذ بالله، ،وقد أخفاها الله عز وجل فجعلها في العشر الأواخر من رمضان ، والحكمة في ذلك والله أعلم حتى يجتهد الناس في رمضان كله ، ذلك أن الناس يكونون أرغب وأنشط في الخير في بداية العبادة فإذا كان آواخرها انصرفوا وهذا منهج رباني فكما جعل ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان واخفاها كذلك جعل ساعة الجمعة في آخر ساعه من يوم الجمعة وأخفاها وهي الساعة التي لا يرد الله فيها سائلا ولا يخيب راجيا ويستجيب كل داعيا ، وكذلك يوم عرفة فإن ساعاته الأخيرة معظمة على ساعته الأولى لما فيها من النزول والمباهاة عن عكرمة قال قال ابن عباس:"دعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فسألهم عن ليلة القدر فأجمعوا أنها في العشر الأواخر " ،واذا كانت في العشر الأواخر فإنه قد ورد في السنة النبوية الصحيحة ما يدل على أنها ليلة متنقلة بين الليالي فقد ورد أنها في العشر الاواخر ، وقد ورد أنها في أوتار العشر، وقد ورد أنها في السبع الأواخر وقد تكون في ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين ، وقد ورد تعين ليله القدر في ليلة السابع والعشرين خاصة فقد روى مسلم وأحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من كان متحريا ليله القدر فليتحرها ليلة سبع وعشرين " ، كما ورد أنها آخر ليله من رمضان ذلك أن الناس اذاأحيوا ليلة السابع والعشرين انصرفوا عن العبادة وظنوا أن رمضان قد انتهى وأن ليلة القدر قد انقضت بمرور ليله السابع والعشرين يقول النبي "صلى الله عليه وسلم :"التمسوا ليله القدر اخر ليله من رمضان".....يتبع