مكتبات تتحوّل إلى فضاءات تجارية .. الثقافة في مهب الربح

مكتبات تتحوّل إلى فضاءات تجارية ..  الثقافة في مهب الربح
ثقافة
وأنت تتجول في مدننا الجزائرية الساحرة، غالبا ما تصادفك مكتبات مغلقة وأخرى تم تحويلها إلى مطاعم ومقاهي ومحلات لبيع الألبسة وغيرها من النشاطات التجارية المربحة التي تُدرُّ على أصحابها أموالا كثيرة عكس ما كانت تقدمه المكتبات التي صارت تمثل الحلقة الأضعف بالنسبة للتجار، هؤلاء الذين بات همهم الوحيد هو الربح السريع واستقطاب أكبر عدد من الزبائن، فاستبدلوا الكتب بسندويشات وقطع من " البيزا " الساخنة التي يتم إعدادها بنكهات مختلفة تغري الزبون وتجعله يقبل عليها بشراهة، معتقدا أن بطنه أولى من عقله،.. فبعد أن كانت هذه المكتبات فضاء للفكر والعلم والنقاشات الأدبية والعلمية الجادة، أضحت مجرد محلات تجارية تعرض منتوجات تهم المواطن في حياته اليومية، أما الكتاب في نظرهم فلا يعتبر استثمارا مربحا حسبما كشفه البعض، لأنه بكل بساطة لا يستطيع منافسة " ثقافة الأكل" التي سيطرت على العقول قبل البطون، ولا منافسة الماركات العالمية للملابس والأحذية والحقائب وغيرها، بل لا يمكن له حتى أن يُقارن بفنجان قهوة في نظر الكثير من الباعة، وهذه المفاهيم الخاطئة هي التي أغرقت الكتاب والمكتبات في دوامة الإهمال والإقصاء، وأثرت سلبا على تطور المجتمعات وتفكير المواطن البسيط الذي يبدو أنه انجرّ خلف هذه الدعابة التي تقدس البطن على العقل، وتقصي المعرفة والثقافة من قاموس حياتنا المنبهرة بلمعان الموضة والعصرنة الزائفة. إن السبب الحقيقي وراء أزمة المقروئية و تفاقم ظاهرة غلق الكثير من المكتبات حسب الدارسين والمختصين، هو انسياق أصحاب المحلات وراء مفاهيم الربح السريع، دون الاهتمام بالخسارة الفادحة التي يمكن أن تضر بعالم الكتاب ومستقبل المطالعة في مجتمعنا، إضافة إلى برامج الغزو التكنولوجي والوسائط الاجتماعية والمواقع الإلكترونية التي خلقت نوعا من الكسل لدى القارئ، وشجعته على هجرة الكتاب الورقي، والامتناع عن الذهاب إلى المكتبة لاقتناء ما يريده من مؤلفات، دون أن ننسى ضعف القدرة الشرائية لدى القارئ، وارتفاع سعر الكتب التي ناطحت السحاب لعدة أسباب، ربطها دور النشر بغلاء سعر الورق، وعوامل أخرى اتحدت واجتمعت لتمنع لتخلق مفهوما جديدا خاصا بالقراءة، غبر آبهة بحال الكتب وهي تقبع وحيدة على رفوف المكتبات، تنتظر من ينتشلها من مستنقع الإهمال التي باتت تتخبط فيه في ظل ثقافة البطن من جهة وثقافة التكنولوجيا الكاسحة من جهة أخرى. ومهما قيل عن فوائد التكنولوجيا ومصلحة الباعة في تحقيق ربحهم السريع، إلا أنه لا يمكن إنكار أهمية المكتبات ببلادنا و ضرورة تواجدها في كل شارع وفي كل حي، لأنها تعمل لا محالة على إثراء المشهد الثقافي الجزائري وبناء حضارة ناصعة، من شأنها تكوين جيل نافع ومتعلم تكون له مشاركة فعالة في بناء مجتمعه ومستقبله، فالكتب هي الأقدر على رصد أفكار المجتمعات العربية والغربية، وكشف عوالمها المتقلبة ومحطاتها التاريخية، وهي الوحيدة القادرة على تشكيل اتجاهات القارئ و تلوين ميولاته الاجتماعية و السياسية.

يرجى كتابة : تعليقك