يرى الدكتور الشيخ قراش مصطفى إمام أستاذ وعضو المجلس العلمي وأستاذ مشارك بجامعة وهران أن الشريعة الإسلامية السمحاء، جاءت لتقدم حلولا جذرية للمشاكل التي تعانيها المجتمعات الإنسانية خاصة فيما يتعلق بالخلافات الأسرية و الشقاقات الزوجية التي تصل في معظم حالاتها إلى الكراهية والنفرة؛ حيث يعجز المصلحون عن إعادة علائق المودة والرحمة بين الزوجين، فشرّع الإسلام الطلاق كآخر حل يرضي الأطراف المتخاصمة، فكان المحطة الأخيرة بعد استنفاد كل الوسائل لتفاديه. إن الطلاق كحكم ديني استُند في تشريعه على أدلة من الكتاب والسنة.
فأما الأدلة من الكتاب فقوله تعالى في سورة البقرة: ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ الآية 229، وقوله تعالى في سورة الطلاق: يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ رَبَّكُمْ الآية01. وأما أدلته من السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الطلاق لمن أخذ بالساق» رواه ابن ماجه والدارقطني.
لقد ابتلي المجتمع الجزائري بكثرة وقوع حالات فك الرابطة الزوجية سواء بالطلاق أو الخلع، حتى أصبح ظاهرة مخيفة تهدد العائلات الجزائرية وتشكل خطرا على أفرادها المكونين لها من أبناء وبنات.
وفيما يخص التساؤلات التي تفرض نفسها، حول إن كان لإقدام الزوجين على فك الرابطة الزوجية له مبرراته الشرعية؟، وهل كان طلاقهما وفق الضوابط الشرعية؟، ما هي الحلول الناجعة لتجنب انهيار باقي الأسر الجزائرية وسقوطها في دائرة التفكك والانفصال؟...وللإجابة عن هذه الأسئلة يقول الدكتور الشيخ قراش مصطفى إنه لابد من أن نرجع إلى المبررات التي أقرها المشرع للجوء الأزواج إلى الطلاق، ومعرفة الضوابط الشرعية التي يجب أن يلتزما بها، وأن يكون هذا الطلاق حلا نهائيا للمشاكل المستعصية، وليس بداية مرحلة أخرى من المشاكل، مضيفا أنه في الأصل لا يجوز للمرأة طلب الطلاق إلا إذا وُجد مبرر لذلك؛ يقول النبي الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة». رواه أبو داود والترمذي؛ لكن يجوز لها في حالات معينة أن تطلب الطلاق إذا وقع عليها ضرر بيّن.
وفيما يتعلق بالضرر الناجم عن الطلاق أو الخلع، أوضح الدكتور الشيخ قراش مصطفى أن له صور متعددة يمكن تلخيصها في النقاط الآتية، وهي: عدم الإنفاق بعد صدور الحكم بموجبه ما لم تكن عالمة بإعساره وقت الزواج، والعيوب التي تحول دون تحقيق الهدف من الزواج، أيضا الهجر في المضجع فوق أربعة أشهر، والحكم على الزوج عن جريمة فيها مساس بشرف الأسرة وتستحيل معها استمرار العشرة الزوجية. والغيبة بعد مرور سنة بدون عذر ولا نفقة. وارتكاب فاحشة مبينة. والشقاق المستمر بين الزوجين. ومخالفة الشروط المتفق عليها في عقد الزواج. وكل ضرر معتبر شرعا.
ويضيف الشيخ قائلا : " إن إقدام الزوجين على الطلاق في بعض حالاته لا يخضع للضوابط الشرعية، بل يلاحظ عليه تحكيم للهوى وإتباع خطوات الشيطان الذي يسعى إلى إبعاد العباد عن الحلال وإغراقهم في دوامات الحرام".
التأثر بوسائط التواصل الاجتماعي
يقول الدكتور الشيخ قراش مصطفى:"إن الناظر في حالات الطلاق أو الخلع الواقعة في المجتمع الجزائري يدرك أن الزوجين لا يقدسان الرابطة الزوجية ولا يعظمان قيمة الميثاق الغليظ الذي أخذه الله عليهما عند ارتباطهما بعضهما البعض، فبتنا نرى ونسمع عن حالات طلاق وخلع ليس لها أي مبرر شرعي؛ كأن يحدث طلب الانفصال بسبب التأثر بما ينشر ويعرض عبر الوسائط التواصل الاجتماعي، وهي أعراف وعادات لا تمت بصلة إلى الإسلام. وأيضا الحملة التي تقوم بها بعض المجموعات النسوية المندسة داخل المجتمع الجزائري، خاصة إذا كان أعضاء هذه الجمعيات مطلقات، يدّعين في ظاهرهن النصح و الإرشاد والمشورة، فتجدهن يحرّضن الزوجات على طلب الطلاق أو الخلع فقط انتقاما من المجتمع الذي صنفهن ضمن صنف المطلقات، وأيضا بسبب عدم مقدرتهن رؤية المتزوجات الناجحات يعشن مع أسرهن في وئام داخل المجتمع.
كما نجد في بعض حالات الطلاق أن الزوج يهدم أسرته لأتفه الأسباب؛ كأن ينطق بالطلاق وهو برفقة أصدقائه ليؤكد على صدق قوله أو يحلف به، أو يعلقه على مفسدة عظيمة ؛كحرمان الزوجة من زيارة والديها أو أبنائها، وغيرها من الأسباب التافهة. ويحضرني في هذا المقام قول مصطفى الصادق الرافعي في كتابه وحي القلم: "أما علمت أن الذي يطلق امرأة لغير ضرورة ملجئة، هو كالذي يبيعها لمن لا يدري كيف يكون معها وكيف تكون معه؟، إن عمر الزوجة لو كان رقبة وضُربت بسيف قاطع لكان هذا السيف هو الطلاق! وهل تعيش المطلقة إلا في أيام ميتة؟ وهل قاتل أيامها إلا مطلقها؟..
وبخصوص الحلول المقترحة لمشكل الطلاق غير المبرر شرعا ، أوضح الدكتور الشيخ قراش مصطفى أن أول هذه الحلول هو التوعية عبر منابر المساجد والإعلام ودق ناقوس الخطر حتى تتفطن الأسر الجزائرية وتعود إلى رشدها، وأيضا تفعيل لجان صلح ذات البين المكونة من رجال القضاء والدين وعلم النفس والاجتماع، كما تكمن بعض الحلول في إعادة صياغة قانون الخلع من خلال إعادة شرط موافقة الزوج على الخلع، وأيضا إعادة النظر في مسألة التعويض الذي لا يعادل المهر أو الصداق المقدم للزوجة، مما دفع المرأة إلى عدم المبالاة بهذا التعويض المفروض عليها فهو مبلغ زهيد؛ إذ يتم تعويضه لها في شكل نفقة عدة ونفقة إهمال وبدل إيجار السكن لممارسة الحضانة؛ وبالتالي فالتعديل الأخير لقانون الأسرة 2005 كان سببا في كثرة حالات الخلع. فالحل يكمن في إعادة النظر في قانون الخلع أو العودة إلى المادة 54 من قانون الأسرة قبل تعديله سنة 2005. ونختم مقالنا بتذكير الأسرة الجزائرية أنه يجب عليها العودة إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي نقلت إلينا أفضل الصور في تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن جميعا، ففي الاقتداء به صلى الله عليه وسلم وبتعامله مع زوجاته هو حل لجميع مشاكلها.