هوارية حدة، علجية، مختارية، غالمية، فضية وأم الخير ستّي’ بلوفة وبغداد والقائمة طويلة، هي أسماء سقطت في السنوات الأخيرة من سجل العائلات الجزائرية ولم تعد متداولة بالشكل الذي ألفناه من قبل إلى درجة التلاشي تدريجيا. لم نعد في أيامنا هذه نسمع تلك الأسماء الجزائرية الخالصة التي تعكس التراث الشعبي لكل منطقة وتغوص في عمق تقاليد وعادات كل ولاية، كبطاقة فنية تميز سكان الغرب عن الشرق والجنوب والوسط وتنفرد كل واحدة بخصوصية هذه الأسماء تجعلها تختلف عن الأخرى.
ولم تعد الأسرة الصغيرة تهتم بتسميات سنوات الستينيات والسبعينيات التي اشتهر واعتز بها المجتمع الجزائري آنذاك وتمسك بها إلى حد رفض أي بديل لها قد يلغيها أو يصنفها في خانة القائمة الاحتياطية، أو حتى يمحو آثار ومعالم الفترة الذهبية التي عاشها بايجابياتها وسلبياتها، ولم يعد الجيل الحالي يرغب في توسيع هذا النطاق وتمديده أكثر من باب أنها تسميات تعود إلى العهد القديم، زمن الأبيض والأسود، ولا تتماشى مع التكنولوجيا وعصر السرعة والموضة الخداعة التي تدوس على كل ما هو عربي أصيل و كل ما هو من التراث الجزائري .
هذا ما تلمسه الساحة المحلية في الآونة الأخيرة من فوارق واختلالات في تسمية المواليد الجدد بأسماء غريبة ودخيلة عن معتقدات العائلة الجزائرية ، وهذا ما يشهده الأزواج من صراعات داخلية من أجل اختيار أنسب في قضية حساسة بعيدا عن حكم الحماة وموقفها المعروف في مثل هذه القضايا في زمن تسللت فيه موجة التقليد الأعمى لانتقاء أجمل وأحسن إسم لمولودهما على حساب تاريخ طويل ظل يدافع عن هذه التسميات كلٌّ بمعانيها ورمزها المعروفة. فسجل الحالة المدنية اليوم، لم يعد يستوعب هذه الأسماء ولم يعد يدونها بشكل مستمر في شهادات الميلاد أمام العزوف الكبير والامتناع التام عنها ليس مبالغة وإنما واقع حال المجتمع الجزائري الذي اضطر إلى تبني هذا التغيير وركوب موجة التغيير التي لم تهضمها بعد الجدات ولم تستوعب إلى حد ما رفض كنّتها اختيارها الذي تراه بين قوسين "تقليدي" .
هذا الفارق المسجل والاختلاف الواضح تقف عليه يوميا مصلحة الحالة المدنية بوهران على خلفية التداول الكبير على موضة الأسماء التركية والشرقية ، حسبما أكده مصدر مسؤول من ذات الجهة، والأكثر من هذا فإن ضابط الحالة المدنية لا يستعين بالقائمة الإضافية التي تضم أسماء جزائرية قديمة إلا نادرا وفي حالات محدودة جدا، في وقت أن هذه الهيئة تقدم خيارات ثلاثة للعائلات، بين المعجم الأساسي الذي يضم 1500 إسما وقائمة أخرى تتسع لـ 300 إسما أمازيغيا وقائمة إضافية للحفاظ على موروثنا اللامادي، وإن كانت هذه الأخيرة تخرج عن هذه القاعدة وتميل أكثر للاستثناء الذي يطمس الهوية الجزائرية ويحدث شرخا بين جيل الثورة والاستقلال والجيل الحالي .