تمر اليوم الذكرى الـ 64 لاستشهاد أحد صناع " معركة الجزائر" الخالدة، الكيمائي الذي أرعب فرنسا، طالب عبد الرحمان الذي استشهد في عمر الربيع فلم يكمل سن 28 ليصبح مثلا أعلى للأجيال يقتدى به في التضحية من أجل أن يحيا الوطن حرا مستقلا، ليخلد اسمه في تاريخ أبطال الجزائر الخالدة. والشهيد طالب عبد الرحمن من مواليد 3 مارس 1930 في حي القصبة بالجزائر العاصمة بشارع سيدي رمضان، وسط عائلة بسيطة تنحدر من منطقة أزفون (ولاية تيزي وزو)، تربى في أحضان عائلة متواضعة بسيطة كغيرها من العائلات الفقيرة التي ضحت بالنفس والنفيس من أجل جزائر الحرية والسيادة. تابع الشهيد دراسته الابتدائية في مدرسة " ساروى" بحي سوسطارة الشعبي ثم بمؤسسة ڨيلمان ( ثانوية عقبة حاليا) بباب الواد حيث أبدى فيها تفوقا ملحوظا وحاز على الشهادة الابتدائية والأهلية، ثم تحصل البطل على شهادة البكالوريا، التي اجتازها كمرشح حر، والتحق بكلية الكيمياء بجامعة الجزائر، بعد ذلك واصل تعليمه في المؤسسات الخاصة حيث تعلم اللغة الألمانية وأتقنها في سنة 1951، فاز في امتحان الدخول إلى الجامعة وسجل في كلية العلوم لتحضير ليسانس في الكيمياء بعد أن رفض الذهاب إلى فرنسا لمتابعة دراسته هناك.
استعمل علمه و فكره في قضية نبيلة
عن الذكرى الـ 64 لاستشهاد الشهيد طالب عبد الرحمان، أكد الدكتور سمير ناصري أستاذ التاريخ، أن شخصية هذا الشهيد فريدة من نوعها خاصة و قد كان في ربيع العمر واستعمل علمه و فكره في قضية نبيلة، فعند اندلاع الثورة التحريرية اتصل طالب عبد الرحمن بقيادة الولاية الثالثة وذلك بوساطة أحد أصدقائه، حيث التحق الشهيد طالب عبد الرحمان بالثورة بمنطقة القبائل (جبال أزفون) بعد نداء جبهة التحرير للطلبة الجزائريين، ففي 19 ماي 1956 شارك الشهيد في الإضراب العام للطلبة وتخلى عن متابعة دروسه حيث كرس وقته وطاقته للمخبر من أجل القضية الجزائرية، أين كلف بصناعة المتفجرات والقنابل، لكن سرعان ما استدعته القيادة للعاصمة، بعد العملية الإرهابية التي نفذتها منظمة اليد الحمراء، المكونة من أنصار الجزائر الفرنسية، يوم 10 أوت 1956 بالقصبة، التي خلفت 80 قتيلا، قررت جبهة التحرير الوطني الرد على جرائم الفرنسيين باستعمال نفس السلاح، وهي صناعة المتفجرات والقنابل واستهداف رموز المستعمر الفرنسي ومصالحه، فأوكلت للبطل القيام بذلك، خاصة وأنه كان قد عرض من قبل على القيادة مشاريعه لتنظيم خلية صنع متفجرات وبموافقة القيادة أنشأ مخبرا في5 شارع ليزواف، لتزويد المجاهدين بقنابل متفجرة وهذا المخبر كان يموله جيش التحرير الوطني كما قدم خدمات عديدة حيث استغل معارفه شبه الطبية للحصول على الحقن ومداواة المواطنين. وفي سنة 1956 توسعت المخابر الكيمياوية لصناعة المتفجرات وأدمج عبد الرحمن طالب في فرقتين تتكون الأولى من رشيد كواش وعناصر أخرى تعمل بالأبيار، أما الفرقة الآخرى فتعمل في شارع "جرينات". كانت الوسائل جد قليلة وبسيطة لصناعة المتفجرات منها أسلاك حديدية، منبهات، قطع خشبية، قارورات بالإضافة إلى تجهيز متواضع للمخابر ورغم ذلك فقد جرب طالب عبد الرحمن خليطا جديدا، لم يكن مستعملا من قبل.
ورشة سرية لصناعة القنابل بطرق تقليدية
أكد الدكتور مراد غزالي الأمين الولائي لمنظمة أبناء المجاهدين بوهران ، أن الشهيد طالب عبد الرحمان كان المايسترو الحقيقي للورشة السرية لصناعة القنابل بطرق تقليدية وتفجيرات العاصمة التي أمرت بها قيادة جيش التحرير الوطني ردا على العمليات الإرهابية التي قامت بها اليد الحمراء بالقصبة، ليصبح أحد أبرز الوجوه التي أدارت "معركة الجزائر" ضد فرق المظلّيين الذين حاصروا أحياء القصبة قصد وأد الثورة هناك، وكانت معركة الجزائر بقيادة العربي بن مهيدي، أحد القادة الستّة الذين فجّروا الثورة التحريرية والذي قتلته فرنسا، أما طالب عبد الرحمن فكان يعمل مع مجموعة ياسف سعدي التي تضمّ جميلة بوحيرد، وعلي عمّار (علي لابوانت)، وحسيبة بن بوعلي، وآخرين.
ويضيف نفس المتحدث أن الورشة كانت متواجدة في " فيلا الورود " بالأبيار بالجزائر العاصمة، لكن انفجارا وقع بالخطأ إثر شرارة في يوم 11 أكتوبر 1956، أدى إلى استشهاد البطل رشيد كاوش، الشيء الذي سمح للسلطات الاستعمارية من اكتشاف المخبر الموجود، وبهذا تأكدت مصالح الأمن الفرنسية أن القنابل من صنع أيادي جزائرية، فقامت بفتح تحقيق في الموضوع بالتركيز على طلبة الدارسين بكلية العلوم وعن طريق مراجعة ومراقبة دفتر الحضور تأكدت السلطات الفرنسية من علاقة طالب عبد الرحمن بالمخابر الكيمياوية. وهنا بدأ الجهاز البوليسي في مطاردته، فالحادث أجبر البطل طالب عبد الرحمن على الهروب من العاصمة و ترك مقاعد الدراسة، حيث كان محل بحث من طرف القوات الفرنسية، ففي جانفي 1957 دخلت قوّات المظليّن الفرنسية الخاصّة المتكوّنة من 8 آلاف عنصر بقيادة الجنرال ماسو، وحاصروا الجزائر العاصمة وحي القصبة بالتحديد وسيّجوه بالأسلاك الشائكة، وجعلوا الدخول والخروج منها شديد الصعوبة، قصد تطويق الفدائيين ومحاصرتهم في شوارع المدينة القديمة. واستطاع طالب عبد الرحمن الفرار من هذا الحصار الشديد، وانتقل ليهرب إلى الولاية التاريخية الرابعة بجبال الشريعة ليواصل نشاطه في منطقة المتيجة كملازم في صفوف جيش التحرير الوطني وأقام قيادته العامة أين واصل مهامه في صنع القنابل و كان أحد أبرز رموز معركة الجزائر، ليتم القاء القبض على البطل عبد الرحمان طالب في كمين نصبته القوات الاستعمارية الفرنسية عندما كان متوجها إلى البليدة، وفي 13 جويلية 1957 أذاقه جلادو الاستعمار أشد أنواع التعذيب والتنكيل بـ "حوش برين" ثم بالأبيار بالجزائر العاصمة ولم تتحصل السلطات الاستعمارية على أية معلومات حيث تحمل الشهيد مسؤولية كل العمليات والاغتيالات التي استعملت فيها القنابل، بعد ذلك سجن بسجن "برباروس" وحكم عليه بالإعدام
أمام صبر البطل و ثباته خلال التعذيب حيث لم ينطق بأي كلمة، قرر الفرنسيون إعدامه يوم 24 أفريل 1958 على الساعة الثالثة في ساحة سجن "بارباروس".، وأمام المقصلة جاء الفرنسيون بإمام لكي يلقن الشهادتين للبطل طالب عبد الرحمن، فقال للشيخ الذي عيّنته السلطات الاستعمارية لتلقينه الشهادة قبل إعدامه: "احمل السلاح وانضمّ إلى الجبل"، ثم أضاف: " من أجل وطني، من أجل مثلي الأعلى، من أجل شعبي، الموت تضحية رائعة ".
إن للله وان اليه لراجعون