يتفق أغلب النقاد أن هناك عدة عوامل ساهمت في إضعاف الإنتاج الدرامي على مستوى الفضائيات الجزائرية منها الإرتجالية وسرعة الإنتاج وضعف الميزانية و نقص التمويل والمناسباتية، كما هو الحال في شهر رمضان باعتباره موسما مصاحبا للأعمال الفنية، مع تزايد عدد القنوات التلفزيونية ومؤسسات الإنتاج التي تتنافس، فيها بينها لتقديم الأفضل للمشاهد عبر الشبكة البرامجية. يتضمن الإنتاج الدرامي المسلسلات الاجتماعية والكوميدية و بعض الأعمال التاريخية، و"السيت كوم" و الكاميرا المخفية والجلسات الحوارية الفنية، لكن رغم التطور الملحوظ الذي طرأ على الدراما التلفزيونية الجزائرية بالتعاون مع الفنانين الأجانب ومحاولة التطرق للموضوعات ذات الصلة بالحياة الاجتماعية و الواقع المعيش، تظل هذه الأخيرة ضعيفة في معظمها من حيث النص والأداء والإخراج، و ما يرتبط به من عناصر تعبيرية.
و يبدو في تقديري أن أزمة السيناريو هي التي عطّلت تطور الدراما الجزائرية، و ساهمت في إضعافها، ذلك أن البناء الدرامي يستلزم حبكة منطقية لمجريات الأحداث و المواقف و تسلسلها تسلسلا كرونولوجيا وأن تربط النتائج بالمسببات. و يُراعى في تصميم الحبكة الفكرة المناسبة، و الحوار الجيد، و الصراع، و الأزمات ( العقد ) و الذروة و الحل أو النهاية المناسبة. و لماذا لا تستفيد الدراما الجزائرية من الإبداع الروائي و الأدبي بمختلف أجناسه مع أننا نملك رصيدا روائيا معتبرا، لو قمنا بتفعيل ثنائية الأدب و السينما ( الإقتباس ) التي تعطّلت لأسباب كثيرة، لكان ذلك قيمة مضافة للدراما التلفزيونية، و لنا أمثلة من ذلك عبر السينما المصرية و الدراما السورية و التركية...كما أن الإنتاج الدرامي يحتوي على التراجكوميدية و السايكودراما التي لا نرى لها وجودا في الدراما الجزائرية نظرا لصعوبة كتابة السيناريوهات الخاصة بها. و الدراما التلفزيونية بمركباتها و تقنياتها و آليات تنفيذها تبلغ من التعقيد مستوى يتطلب الإمعان للوقوف على قواعدها البنائية و الجمالية، ذلك أن الدراما التلفزيونية فن مركب من فنون عديدة، فهي تتقاطع في مكوناتها و قواعد كتابتها مع فن الرواية والقصة...، علما بأن عملية الكتابة للتلفزيون عملية صعبة مقارنة مع ضروب الكتابة الأدبية، فهي تتطلب موهبة و دراية واسعة و معرفة كاملة بتقنيات التلفزيون كوسيط ناقل و وسيلة اتصال جماهيرية تخاطب شرائح غير متجانسة.
كما أنها – الدراما - تفتقر لوجود الممثل المؤهل أكاديميا الذي عُوّضَ بالهواة تحت مسمى المؤثرين ؟ القادمين من" اليوتيوب و "التيك توك " الذين غزوا بلاطوهات و قنوات التلفزيونات مع أنهم ليسوا من ذوي التخصص بقدر ما هم مهرجين نصَّبوا أنفسهم عارفين للفن و جمالياته. هذه الظاهرة تحيلنا إلى زمن الخمسينيات من القرن الماضي في عهد الواقعية الإيطالية الجديدة و الموجة الفرنسية الجديدة التي ثارت على التقاليد السينمائية العريقة و كسّرت كثيرا من المفاهيم كعدم الإهتمام بالديكور والتصوير بحمل الكاميرا على الكتف والإستغناء عن الممثل المحترف باعتباره، مكلفا من حيث الأجر وغيرها من العناصر التي تدخل في المنجز الفيلمي.
ساهم في هذه الفجوة الدرامية بصورة خاصة ضعف السيناريو المحرك الأول والأساسي للإنتاج الدرامي الرمضاني الذي أثار جدلا نقديا واسعا بين جمهور وسائل الإعلام المرئية فمنهم من طرح نقدا حادا، و فريق ثاني وصف الدراما التلفزيونية الجزائرية بالتكرار وتقليد الآخر بطريقة غير واعية، فهي تعيد إنتاج شخوص من أعمال مقتبسة. بينما قال فريق ثالث أنها لم تتطرق للقضايا الاجتماعية والسياسية الجادة، بل اقتصرت على بعض الظواهر المنحرفة التي لا تمثل بالضرورة المجتمع الجزائري، وأن بعضها تقدم صورة مُشوهة أو مبالغا فيها لما تقترحه للمتفرج، وأنها ظلمت بعض الأمكنة الشعبية عبر عدد من المدن التي تمّ التصوير فيها وكأن الأحياء الشعبية مقصودة لذاتها في تيمات الدراما، وأنها وكر للفساد و الإنحراف، وهذا خطأ جسيم لأن هذه الأمكنة هي موطن الحركة الوطنية و معقل من معاقل ثورة التحرير المظفرة وقطب للتكافل والتضامن والعادات والتقاليد المرموقة التي تتكون منها الذات والهوية الوطنية.
تواجه الأعمال الدرامية في الجزائر تحديات كثيرة كغياب المبدعين الحقيقيين والإمكانيات كالأكسسوارات و الملابس والديكورات الخاصة بالمرحلة، زيادة على شح الموارد المالية الكافية لتمويل المشاريع، لأن هذه الصناعة تتطلب ميزانية كبرى باعتبارها تجارة جالبة للثروة في حال تسويقها أو بيعها للفضائيات الأجنبية.
كما أن عامل المناسباتية واحد من أسباب تخلف الإبداع الفني و الدرامي رغم ما تحمله المناسبة من قيم و مواقف تنعش الذاكرة الشعبية للأجيال سواء كانت المناسبة دينية أو تاريخية أو ثقافية...ففي زمن مضى كانت السلطة هي المنظم للتظاهرات المختلفة فتستدعي الفانين لإحياء المناسبات الوطنية و لا يتم إخراج المسرحيات إلا من أجل غرض معين ولا تُنتج المسلسلات إلا لشهر رمضان المبارك...، فاليوم هناك فضاء واسع للمبادرات وحرية تامة لتطوير الإنتاج سواء في الفضائيات العمومية أو الخاصة شريطة الالتزام بدفتر الشروط المنظم للإنتاج السمعي البصري. تراجع دور المؤسسة الرسمية في الإستحواذ على الإنتاج الدرامي التلفزيوني و انتقاله إلى القطاع الخاص مع أن هذه المؤسسات الإنتاجية تنتج أعمالا قلما تهتم بالمضمون، لكنها تعتمد على النجوم لجذب المعلن و الجمهور بهدف تحقيق نسبة مشاهدة عالية تكون أحيانا على حساب الفكرة الجيدة. و هنا يتدخل النقد في حصر الإنتاج بشركات معينة ؟ و معاملات ليست بريئة وهي قضية لها تداعيات ألقت بظلالها على الدراما. فسيطرة جهات إنتاجية واحدة على المنتوج السمعي البصري تؤثر في الإبداع الدرامي و تنوعه عن طريق المنافسة الشريفة ؟.
و من مساوئ الدراما التلفزيونية الجزائرية أنها تقترح في كل رمضان تيمات ( مواضيع ) يكثر فيها العنف و تجارة الممنوعات وبعض الممارسات التي لا تمثل المجتمع. زيادة على بعض المعوقات المرتبطة بالصناعة السينمائية الحقيقية كثلاثية الإنتاج و التوزيع و العرض الحلقة المفقودة عندنا و التي بدونها لا يمكن تطوير و تسويق الإنتاج السمعي البصري.
هناك إشكالية لا تقل أهمية عما ذكرناه حول ضعف الإنتاج الدرامي وهو موسمية الفنان الذي بدوره ينشط في الإنتاج الرمضاني ثم يتقاعد طيلة شهور السنة مترقبا هلال شهر رمضان ليفوز بدور من الأدوار في المسلسلات أو الأفلام أو السيت كوم... و هي حالة مأساوية تعيشها الشاشة الصغيرة بعد انتهاء رمضان الذي احتكر معظم الأعمال الدرامية و الكوميدية لتحل بعده البطالة المقننة التي تمس الفنانين و الفنيين و التقنيين و المنتجين و المخرجين على حد سواء. وهي ظاهرة غير مشجعة للتمرن و التمرس على الأعمال الإبداعية التي تتطلب الإستمرارية واكتساب التجارب الفنية المؤهلة لتطوير الدراما مستقبلا. وقد لوحظ أمر مُريب على مستوى بعض الفضائيات الجزائرية التي تشترط لقبول المنتوج وجود ممول يبحث عنه الطاقم التقني بنفسه ويقنعه لتمويل مشروعه. و هنا يبدأ مراطون البحث عن التمويل و طرْق أبواب المؤسسات و المحلات التجارية التي تفاضل بين إنتاج وآخر لا يفور بالصفقة فيه إلا طويل العمر. كما أن هذه المؤسسات تفتح مجال التمويل إلا لإنتاج شهر رمضان ثم توصده على مدار السنة و كأن الشهور الموالية لا تحتاج للإنتاج و للإشهار. لذلك نرى بعض القنوات العربية و الأوروبية تشتغل على الدراما طول السنة و تتيح للمبدعين فرص العمل والظهور أكثر. كخلاصة بات من الضروري على وزارة الثقافة و الفنون و وزارة الإتصال والمؤسسات الناشئة تدعيم هذه الرؤى قصد النهوض بالدراما التلفزيونية و ترقيتها إلى مصاف الأعمال الفنية العالمية و تمويلها على مدار السنة خارج المناسبة التي تقوّض الإبداع و تحصره في زمن ضيق.