كشف الفنان القدير حميد غوري أن مسارحنا أصبحت خالية على عروشها، و إذا وجدت جمهورا غفيرا فهم ليسوا من عشاق المسرح Theatrophile، بل أغلبهم جمهورا مناسباتيا يتوافدون على القاعات في إطار المهرجانات والتظاهرات المسرحية المختلفة، يدخلون عن طريق الدعوات التي توجه إليهم، خاصة إذا كان من بين الحضور، توجد شخصيات رسمية على غرار السلطات المحلية والولائية.
وبخصوص مسرح الشارع، أوضح الفنان حميد غوري أنه ضارب في التاريخ، حيث عرفه اليونان والفراعنة قديما، لكن خلال خطواته الأولى طغت عليه الصبغة الدينية إلى غاية عصر النهضة، وإن كانت العروض التي تقدم في الساحات كمسرحيات "شكسبير"العالمية بعيدة عن مفهوم مسرح الشارع،بل هي مبنية على شكل مسرح "أرسطو" وكانت تسمى trabadore أي "جوالة"، أما القفزة النوعية لمسرح الشارع فقد ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الستينات، سببها حرب الفيتنام، ولأنه كان هناك فنانون لهم أفكار لا تقبلها المسارح العريقة، اتجه أصحابُها إلى الشارع لعرض أفكارهم، وقد كانت جريئة مبنية على التنديد والتحريض وتوعية الناس.
يوضح الفنان حميد غوري أنه من شروط مسرح الشارع أن يكون الموضوع قويا يهم الأغلبية، وأيضا من الطابوهات والمسكوت عنه نوعا ما، وأغلبها تكون مواضيع اجتماعية وسياسية، وهنا يقول حميد غوري: "أنا شخصيا اخترت موضوع "الحرقة" لأنه موضوع مؤلم وخطير، ولابُد من الحديث عن أسبابه، مسرح الشارع لا يجب أن يكون مقتصرا على تقديم العرض فقط، بل يجب أن يكون مفتوحا على الجمهور، حتى يشارك فيه هو أيضا، وهذا من خلال إقحامه في المشاهد عن طريق أسئلة مباشرة، كما يجب أن يكون الممثلون في كل مكان، خاصة وسط الجمهور، وهنا تتجسد الرؤية الفنية للمخرج وتختلف الزوايا هنا عكس المسرح التقليدي والمعتاد، وهذا بالضبط ما قام به الفنان حميد غوري في مسرحية الشارع " بحر الطوفان" التي تم عرضها بولاية عنابة، حيث كان الممثلون يتحدثون مع الجمهور ويدفعون به إلى الكلام والتفاعل معهم، يقفون بجانبه ويرقصون أيضا إن اقتضى الأمر.
وبخصوص تجربة مسرح الشارع في عنابة من خلال عرض " بحر الطوفان" كشف الفنان حميد غوري أنه يحكي عن ظاهرة "الحراقة"، حيث تم توظيف الدراما والكوميديا ،و كان الجمهور ممثلا بارزا بين الممثلين، وهنا يقول محدثنا: "أشبه الممثل في مسرح الشارع بالفدائي، فهو أمام جمهور من كل الأوساط، ويجب عليه أن يجذبه إليه ويبهره، وهنا يختلف عن ممثل القاعة التي تضم الخشبة والديكور والستائر والإنارة وغيرها من أدوات اللعبة المسرحية، لذلك عليه أن يكون يقظا ويملك ثقافة عامة، وأن يكون مُطّلعا على أحوال البلاد، لأن الجمهور قد يفاجئه بتدخل ويجب عليه أن يتصرف بسرعة، وهذا ما حاولتُ أن أقدمه في مسرحية "بحر الطوفان"، وكنت محظوظا، لأنه كان عندي ممثلين جامعيين، فمسرح الشارع ليس فلكلور رقص و طبل، إنه وعي و التزام إنه فن يحُث الناس على التغيير".