جامعة وهران تستذكر بطولات الأمير عبد القادر في الذكرى 190 للمبايعة

شخصية عسكرية فذة بقيم إنسانية سمحة

شخصية عسكرية فذة بقيم إنسانية سمحة
وهران
أجمع الأساتذة الذين نشّطوا الملتقى الوطني "معارك الأمير عبد القادر-السياقات والرهانات" بمجمّع إيسطو على مستوى قسم العلوم الإنسانية بوهران، أنّ شخصية الأمير عبد القادر المتفرّدة، تحتاج إلى فرق بحث متكاملة، ودراسات معمّقة ولما لا مخبر بحث يحمل اسمه، للكشف عن الأوجه العديدة لهذا الرجل الذي جمع بين الإستراتيجية العسكرية والإنسانية معا، حيث يدخل هذا في إطار الاحتفالات المخلدة للذكرى الستين لاسترجاع السيادة الوطنية، والذكرى 190 لمبايعة الأمير عبد القادر الجزائري، المنظمة من قبل مخبر البحث التاريخي مصادر وتراجم بجامعة وهران 1. وفي هذا الإطار قدّم الأستاذ جيلالي بلوفة عبد القادر من جامعة وهران 2 قراءة في الإستراتيجية الحربية للأمير عبد القادر بين حرب العصابات والاستنزاف، التي أكد بأنها كانت تقوم على 3 محاور وهي العقيدة الحربية التي استوحاها من التاريخ الإسلامي وبطولات السلف الصالح كخالد بن الوليد وعقبة بن نافع، الإستراتيجية العسكرية، والسياسة الحربية، أين جمع بين الوطنية والدين وكان يقاوم بجيشين، واحد نظامي والآخر تطوّعي. وأضاف الأستاذ بلوفة أن سياسة الأمير في التجنيد كانت تختلف عن تلك التي انتهجها قبله العثمانيون، حيث كان يعتمد على سياسة الإقناع، وضمّت جيوشه متطوعون من كل مناطق الوطن حتى الصحراء، وارتفع في ظرف 4 سنوات فقط من 12 ألف إلى 58 ألف جندي، مردفا أن حرب الأمير عبد القادر لم تكن كلاسيكية وإنما متنقلة، فيها التصادم والكمائن وحرب العصابات وغيرها، وقد أخذ مجاهدونا عنها الكثير في حرب التحرير المجيدة. أما الأستاذة بلقاسم ليلى من جامعة غليزان، فقد تطرقت في محاضرتها إلى علاقة قبائل بني وراغ بالونشريس الغربي بالأمير عبد القادر، ودورها في دعم مقاومته في الفترة مابين 1840 و1845، مؤكدة أن المنطقة كانت حصنا منيعا له، حيث حافظ على زعامات القبائل المحلية، التي ساندته في كل هذه الفترة، على الرغم من التضييق الذي كان يمارس على الأهالي في هذه المنطقة. رغبة فرنسية جامحة في التعرف على خطط الأمير العسكرية وسلّطت الأستاذة صوافي زهرة من جامعة وهران 1 الضوء على الجانب العسكري للأمير عبد القادر من خلال الكتاب العسكريين الفرنسيين، مؤكدة أنّ هذه الشخصية العالمية أولاها هؤلاء المؤرخون اهتماما خاصا، لأهداف معيّنة، وعلى رأسها الرغبة في التعرف على خططه العسكرية ونقاط قوّته وضعفه وعلاقته بالقبائل المحلية. وفي هذا الصدد تقول الأستاذة صوافي بأن فرنسا خصّصت تحقيقات وتحفيزات وسلّمت النياشين والترقيات لكل من يأتيها بمعلومات عن الأمير عبد القادر الجزائري، سواء في الجانب الاجتماعي أو العسكري، خاصّة وأن الرجل كان يتميّز بالنضج والدبلوماسية في التعامل، والقدرة على إدارة الحروب، وإخضاع القبائل عن طواعية، والقدرة على فرض الحصار على المدن وإقامة الحصون كخط دفاعي، والمباغتة والتفوق في حرب العصابات التي كانت تتميّز بسياسة الكرّ والفرّ المستوحاة من ديننا الحنيف، وقد شهد له الكولونيل "بيجو" كما قالت بأنه سريع الحركة، له بعد النظر، حيث قال عنه بأنّ "قوّة الرجل في استحالة العثور عليه"، مردفة بأنه الرجل الذي هزّ كرسي فرنسا. كما قدّم الدكتور بونقاب مختار من جامعة معسكر نظرة عامة عن المعارك التي قام بها الأمير عبد القادر خارج الوطن وخاصّة في المغرب الأقصى، وتطرّقت الأستاذة بوزبوجة سميرة من جامعة وهران 1 للمعارك التي قادها داخلها مقدّمة في هذا الصدد الخارطة التي كان يعتمدها سواء تحت قيادة والده، أو قيادته الشخصية، والتي اتسمت بالإستراتيجية الحربية وحرب العصابات وقطع الطرق، لكن كل هذا مدروس بطريقة حيّرت كل من عاد إليها، لتضيف الدكتورة حصّام صورية التي تطرقت إلى علاقته بقبيلة بني عامر والخلاف الذي وقع له معها بسبب "العشور"، بأن معركته كانت في كل الجبهات وليس فقط مع الفرنسيين. هزيمة نكراء للفرنسيين بمعركة سيدي ابراهيم الدكتورة مجاهد يمينة من جامعة وهران 1 قدّمت دراسة مستفيضة عن نظرة الجنرالات العسكريين للأمير عبد القادر من خلال رسائل الماريشال سان آرنو إلى عائلته وأصدقائه في الفترة مابين 1837 إلى 1844، والتي خلصت من خلالها إلى أنه لم تكن هناك أي موضوعية حيث أهمل الجانب الإنساني في شخصية الأمير وكان يصف حرب الجزائر بحرب الإبادة ، متجاهلا المعاملة الخاصة التي كان يحظى بها الأسرى الفرنسيون من قبل مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، والتي كانت مأخوذة من تعاليم ديننا الحنيف. وفي جانب آخر سلّطت الأستاذة صاغر فتيحة من جامعة وهران 1 الضوء على هزيمة فرنسا في معركة سيدي ابراهيم، ومع ذلك عملت على تخليدها بكل الأساليب، التي وصلت إلى حد وضع النصب التذكارية لها في كل مكان ومنها "تمثال المجد" بساحة أول نوفمبر بوهران، على الرغم من أن عدد قتلاها فيها تراوح مابين 250 إلى 300 جندي، بالإضافة إلى 90 جريحا و15 أسيرا، محاولة محو آثار هذه الهزيمة عبر احتفالات تخلّد بطولات وشجاعة جنودها في المعركة، وتحويل مرارتها إلى دافع يحفّز الجيش لمزيد من التوسع، وإيصال فكرة أنّ جنودها لم ينهزموا وإنما هم "شهداء" ضحوا من أجل الوطن. وهو ما تطرّق له أيضا الأستاذ بن ترار محمد من جامعة الشلف الذي أضاف عن الإستراتيجية العسكرية للأمير في هذه المعركة، بأنّه عندما علم العقيد "مونتانياك" بتواجد الأمير بنواحي مسيردة جهّز جيشا مكوّنا من الرائد برومون كوست، النقيب دو جيرو، الرائد كوربي للإغارة على الأمير عبد القادر فكان أن حدث العكس، وحاصرهم هو وقضى على العقيد مونتانياك. من جهتها ركّزت الأستاذة هاشمي آمال من جامعة وهران 1 على معاملة الأمير عبد القادر لأسرى الحرب، حيث كان يدعو إلى احترام كرامتهم وسلامتهم الجسدية وحريتهم الدينية ومعتقداتهم، وكان يحافظ على حياتهم متقيّدا بأصول الدين الإسلامي، وكان يرفض قطع الرؤوس وسفك الدماء، محافظا على العهود والمواثيق، وكلها خصال يعترف بها كل العالم كما قالت وصرّح بها حتى رئيس الصليب الأحمر.

يرجى كتابة : تعليقك