من المعروف أن للجزائر سياسة وقائية من الأخطار الكبرى و تسيير الكوارث بحكم موقعها الجغرافي الذي يصنفها من المناطق المعرضة ل 15 خطرا طبيعيا على رأسها الزلازل والفيضانات وحرائق الغابات ، سياسة اعتمدت على إستراتيجية وطنية تتفرع إلى 4 فروع أساسية وتتعدى حدود الإنقاذ والتدخل لمختلف المصالح المسخرة ، بدء من المرحلة التي تسبق وقوع الكارثة ، والتنبؤ والوقاية للخروج بأقل خسائر ممكنة ، ثم فرق الإسعاف المجندة بمكان الواقعة إلى المرحلة الأخيرة المحددة في تقييم الأضرار المترتبة عنها .
فبعد فاجعة 10 أكتوبر 1980 التي ألمت بسكان الأصنام سابقا و الشلف حاليا ، لجأت الدولة إلى نظام وقائي يقوم على التدابير المتخذة لتسيير الكوارث الطبيعية و التدخل الاستعجالي والطرق الاحترازية التي تسهل المهمة على الفاعلين للتقليل من حجم الخسائر في حالة تسجيل أخطار مستقبلية ، و بعد 5 سنوات تقريبا على زلزال الأصنام وبالضبط في 1985 تبنت الجزائر مخططا وطنيا بشقيه التنبؤي والوقائي ، انطلاقا من بنك معلومات أنجزه خبراء ومختصون ومصالح الإنقاذ والتدخل ليكون بمثابة الأرضية التي يرتكز عليها الجهاز عند أي طارئ طبيعي .
ولضمان فعالية وجاهزية أنظمة الوقاية وصلاحيتها لكل مكان وزمان فقد تم تعزيز الاستيراتيجية الوطنية بقانون 04-20 الصادر في ديسمبر 2004 لتحديد مهام المندوبية الوطنية للمخاطر الكبرى كهيئة تعمل تحت وصاية وزارة الداخلية والجماعات المحلية ، تتكفل بتوصيات اللجنة القطاعية المشتركة المشكلة من ممثلي الحكومة والوكالة الفضائية والري والأرصاد الجوية وفق تقرير سنوي تقدمه ذات الجهة للوزارة الوصية يتضمن تقييما ميدانيا عن الأخطار الكبرى المحتملة والتدابير الوقائية المسخرة والاقتراحات التي تجنب الدولة خسائر مادية وبشرية كبيرة .
إلا أن الأحداث المتوالية والهزات التي أخلت بالبنية التحتية فرضت بل و عجلت من سن ترسانة قانونية متعددة الأنماط تتماشى آلياتها والحوادث التي شهدتها الجزائر بعد كارثة 1980 مكملة للمخطط الوقائي ، على خلفية فيضانات باب الواد او كما يسمونه بالسبت الأسود من سنة 2001 وزلزال الجزائر العاصمة و البليدة وميلة وعنابة وفق رؤية استشرافية جديدة تسهل عملية التنبؤ والوقاية .
فبعد قرابة 20 سنة على صدور قانون 2004 الذي حدد آنذاك 10 أخطارا أصبح لزاما وقبل أي وقت مضى مراجعة هذه النصوص على خلفية ما تواجهه الجزائر من تحديات مناخية وطبيعية في الفترة الأخيرة والتي تستوجب التصدي بأكثر قوة من السابق للتقليل من حجم الضرر وهو ما أكدته المندوبية الوطنية للمخاطر الكبرى على مستوى وزارة الداخلية والجماعات المحلية ، والتي أعلنت عن مشروع مراجعة قانون الكوارث الطبيعية والانتقال من تسيير الكارثة إلى إدارة خطر الكارثة مع العمل على تحديد المسؤوليات والاهداف والاعتماد على المراحل الأربعة المرتبطة بالوقاية والتنبؤ والتدخل والتعافي .
وفي هذا الشأن واستكمالا للشق الخاص بالجاهزية والتنبؤ ، فقد صدر في افريل 2021 مرسوم تنفيذي معدل ومتمم لمهام المندوبية الوطنية للمخاطر الكبرى ، المكلفة بتقييم وتنسيق الأعمال والنشاطات في إطار النظام الوطني للوقاية من الكوارث مع المشاركة في التعاون الجهوي والدولي في إطار المهم والاختصاصات المخولة لها ، حتى تتعدى الحواجز والعقبات التنظيمية و القانونية بفعل المستجدات الطبيعية التي غيرت من مفاهيم نظم التدخل والوقاية.
بالمقابل وعملا بإلزامية رسكلة الموارد البشرية للتدخل والإنقاذ وعصرنة فرقها فقد توجت الحماية المدنية في سنة 2017 بشهادة الاعتراف والمطابقة الدولية للهيئة الاستشارية الدولية المختصة في البحث والإنقاذ في الأوساط الحضرية التابعة لهيئة الأمم المتحدة "انسارج " ومنه الانضمام إلى فرق البحث الدولية بمشاركة 86 متخصصا
وان كانت الدولة تسعى إلى إدارة الأزمات والكوارث بتسخير الأطر القانونية والتطبيقية والمؤهلات البشرية ، إلا أن نظام التامين الصادر في 2003 لا يزال عديم الفعالية رغم الزاميته وهو ما تؤكده الحصيلة الضعيفة لعقود حماية الممتلكات وعزوف المواطنين عن إبرام مثل هذه المعاملات في وقت ارتفعت فيه حصيلة خسائر الأخطار الطبيعية على رأسها الحرائق .