تفتح الجدة في اليوم الثالث من العشر الأواسط من رمضان دفتر ذكرياتها التي عاشتها ببساطتها وعفويتها ، وتنقب وهي تقاسم عائلتها مائدة رمضان 2023 في علبتها السوداء مراحل الزمن الجميل وخصوصيات الضيف الكريم المرّتبة في ذاكرتها حسب الأحداث المتسلسلة والمناسبات الدينية والوطنية ، وتحاول أن تسجل أوجه التشابه والاختلاف بعد مرور قرابة النصف قرن من الزمن .
وتختار الجدة هذه المرة الحديث عن زمن طبخ القديد والدويدة المستعمل في إعداد أطباق مائدة رمضان القرن الماضي والذي كانت تسعين به ربات البيوت لتقديم وجبة صحية بمكوناتها البسيطة وتعرج الجدة وهي تقف عند هذه المحطة القديمة الى الطعم الشهي والمذاق المختلف للمرق والوجبات المستعملة من اللحوم المجففة
فالقديد أو الخليع حسب التسمية التي اشتهرت بها كل منطقة بالجزائر هو عبارة عن لحم مقطع مجفف ومملح في نفس الوقت تحضره ربات البيوت مسبقا حتى يكون جاهزا للاستعمال في الكسكس و الحساء والمرق لما له من فوائد صحية على الأمعاء بالدرجة الاولى .
نفس الشيء بالنسبة للدويدة المصنوعة من السميد والماء والملح والزيت والتي تأخذ بعد مزج الخليط شكل الشعرية المستعملة في حساء الشوربة المعروفة بالغرب الجزائري والحاضرة أنذاك في مائدة الافطار ما يعكس مدى المهام الشاقة والأعباء الملقاة على المرأة في تلك الفترة .
هذه الثقافة الغذائية المشكلة من أصناف طبيعية صحية خالية من الدهون والمواد المصنعة عمّرت كثيرا من الحقبة الاستعمارية ومرحلة ما بعد الاستقلال وسنوات الثمانينات إلى بداية التسعينات وأمام النزوح القوي للتكنولوجيا وثورة الصناعة الغذائية أسقطت هذه الوصفات التقليدية من قائمة الأعباء ومنحت لربة البيت قسطا من الراحة بظهور علامات وانواع جديدة لا تتطلب جهد ووقت طويل وعوضت القديد والدويدة باشكال لا تعد ولا تحصى من الوصفات السريعة تُزين مائدتها المثقلة بالدهون والسكريات والعجائن تسمم البدن قبل أن تغذيه وتعُلّه قبل أن تقويه.