"تبعريرة" بالملايين

آراء و تعليقات
أسعار كعود ثقاب ترمى بصفاقة على قلوب جفت ويبست لهول الغلاء فتضرم نار حيرة هائلة تأكل الحيلة والوسيلة في توفير ثمن كبش العيد ، ذاك الثغاء الذي تحن آذان الكبار قبل الصغار إلى سماعه مرة في العام أضحى بعيد الإصغاء تحت صخب وضجيج أثمان عرض بلا طلب ، أيعقل أن خروفا لا يزال حليب أمه يقطر من فمه يناطح ثمنه الخمسة ملايين وأن أباه الأملح ذي القرنين الملتويين بصوت جهوري يشي بفحولة طاغية تجاوزت قيمته العشرة ملايين ، ونعجة شمطاء عانس لم تجد لها حظا في الزواج تستكبر على بني البشر وتقهر الرجال بمهر خارج المنال. إن أكثر ما يؤلم في هذا المشهد الميلودرامي هو القلق بل الترح الذي يستوطن أفئدة أرباب وربات الأسر كلما حلت مناسبة فرح، لأن ضريبة الجشع على الدخل ورأس المال وعلى الصحة والهناء برمضان والسعادة بعيد الفطر والاستمتاع بعيد الأضحى لم تعد تحتمل، حتى بهجة الانتصارات الصغيرة في معركة تسيير الأجرة على مدار الثلاثين يوما تمزقت وتطايرت أشلاؤها بين شد بلا مد وقبض بلا بسط. لن تصاب الحاويات هذا العام بالتخمة ولن تتوقف الكلاب وقطط الشوارع عن نظام الحمية ولن تعجز وزارة البيئة عن لمِّ "الهيدورات" ولن تفشل وزارة الري في ضمان التزود بالمياه ما دامت شوارعنا وطرقنا "النظيفة جدا جدا " لن تلطخ بالدماء المسفوكة في محراب التضحية ، ولن تشحذ السكاكين بحدة ولن يشتعل فحم بكثرة فجمر الغلاء أحرق الجيوب ونحر القلوب والحِمل أضحى ثقيلا والحَمَل الوديع أصبح مفترسا و"التبعريرة" أمست خارج مجال السمع إلا بـ"تبريحة" الملايين . لا تبرروا للطفل الباكي عدم غبطة عينيه برؤية خروفه ينطّ في البيت نطا، فلا الجفاف يهمه ولا غلاء العلف يعنيه ولا التهريب يقلقه ولا لعبة "المعاودية" تلهيه ولا مخطط حماية الثروة الحيوانية يطمئنه، فكل ما كان يحلم به أن يضع الحنّاء بحنو على رأس خروفه ويتباهى به أمام أقرانه ليلة العيد. وفي الختام أهديكم حلا سحريا للإفلات من نار الأسعار وغلبة جرِّ الكبش ومشقة كنس بعره وعناء ذبحه وسلخه وعياء تشويط "بوزلوفه" وتنظيف "دوارته" أن نستعمل رنة "تبعريرة" لكبش من الكباش العملاقة التي ترتع في مزارع الفيسبوك واليوتيوب الشاسعة، وما أحلى بحبوحة العيش في بذخ الافتراض ما دام هامش الواقع قد ازداد بنا ضيقا...

يرجى كتابة : تعليقك