"مات خازنو المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعباؤهم مفقودة وآثارهم في القلب موجودة." .. هي حكمة من قول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، تجعلنا نتوقف بالتفكير عند هذا السؤال : لماذا لا نأخذ من وقتنا هنيهة لنذكر بعض العلماء الذين كانوا مصابيحا وبلسما يداوي الجراح؟، و لا تزال أثارهم بالقلوب موجودة من مشايخ و علماء الوطن عامة ووهران خاصة ؟، .. اخترنا لكم اليوم الحديث عن الإمام الشيخ بوعبد الله ببطيوة بوهران .
الإمامُ الشيخ أبو عبد الله بن عبد القادر بن محمد بن الجَيْلانيّ بن الموهوب البوعبدلّيّ يرجع أصل أسرته إلى الجدّ الأكبر المدعو " أبو عبد الله المغوفل دفين واد أرهيو، قرب مدينة الشلف ولد سيدي أبو عبد الله البوعبدلي عام 1285 ه، الموافق لعام 1868 م و لن يروق لنا الحديث و ذكر العلماء دون ذاك الوصف الذي يأتي به أهل العلم من السائرين على درب البحث في بستان العلم ، فكان للباحث في الحضارة الإسلامية قرادشي محمد عز الدين نصيب للحديث عن شيخنا الفاضل الإمام أبي عبد الله البطيوي الجزائري، وقد استهل كلامه بقوله تعالى "منَ المؤمنينَ رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدَّلوا تبديلا".
" الإمامُ الشيخ سيدي أبي عبد الله البطيوي الوهراني الجزائري رجلٌ أحيا الله به القلوبَ وأنار به الأبصارَ والبصائر ، وأبقى الله ذِكرَهُ ورفعَه إذ كانَ وارثا حقيقيا لسيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ودالا عليه كما جاء في الحديث: " العُلماءُ ورثةُ الأنبياء " سليلُ الطهر والنور شجرةٌ خضراء ذات أفنان وثمار من الروضة الغنَّاء روضةِ آل بيتِ سيدنا محمد رسول الله القائل في الحديثِ " أنا مدينةُ العلمِ وعليٌّ بابها " حفظَ القرآن الكريم صغيرا كأجداده الأطهار الأبرار، فوقعَ على قلبهِ الطاهر وقوع الغيث الهاطل من السماء على الأرض الخصبة النباتة، فتتزين وتُنبتُ وتملأ الأرض ثمارا وجمالا وهواء بعد قحط وجفاف وضيق قال تعالى " وترى الأرض هامدةُ، فإذا أنزلنا عليها الماءَ اهتزت وربت وانبتت من كلِّ زوجٍ بهيج" وتعلم علوم القرآن الكريم من عربية ونحو وفقه وسيرةٍ، فكانَ هو الإمام لا يضاهى وتشهد له مكتبته العامرة بمؤلفاته ببطيوة، غير أن علمه لم يكن علما فقط، إنما كان علم القرآن علم سيدنا محمد رسول الله الذي يداوي القلوب ويرقِّي الإنسان في معارج الكمال، ويضمن له الحياة الطيبة ويقوده إلى الإيمان والتقوى، إن الشيخ أبي عبد الله كان رجلا تقيا زاهدا عابدا رحيما بأمة سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومضرب مثل في الرفق والحلم والرحمة والتجاوز والإحسان ، كان طائرا مغردا يدينُ بالحب والعشق لسيدنا رسول الله وديوانه الشعري، بل حياته كلها كانت شاهدا على هذا الحب النادر العجيب الذي عاشه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، إنَّ الشيخ أبي عبد الله كان عالما ذا روحٍ شاعرةٍ دامعةٍ ونفس أبية عزيزةٍ أديبةٍ وقلبٍ فياض بالرحمة والمحبة المستقاة أصلا، ومنبعا من سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي اتصل به عن طريق سند مبارك من الشيخ قدور بن سليمان دفين مستغانم إلى أشياخه المحبين العظام إلى الشيخ الكبير الهمام سيدي الحبيب المشرقي دفين العطاف، وكان مثالا في حب أشياخه وطاعتهم والاقتداء بهم وخدمتهم ، مكّن الله له في وهران في بطيوة ، وجعل أفئدة الناسِ تهوي إليه قاضيا ومفتيا وعالما وطبيبا معالجا وأبا رحيما.وعمر وهران فتزينت به وابتهجت وافتخرت ، ولا تزال. يأبى اللهُ أن يمحوَ آثار الصادقينَ المخلصين الذين بذلوا للإسلام نفوسهم " ، سنكتبُ ما قدَّموا وآثارهم " انتقل إلى جوار ربه ونبيه والصديقين والشهداء من أشياخه وأصحابه بعد عمر مديد بالنور والمحبة والتقوى ليرفع الله ذكره ويبقيه حتى وهو في رمسه. لا يزال ضريحه في زاويته يؤم وصلا واتصالا بروضة سيدنا محمد رسول الله الشريفة وتركَ نسلا مباركا من العلماء العاملين والمؤرخين الصادقين المخلصين فرحمه الله تعالى وأسكن روحه الشريفة بجوار روح سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.