يعتبر الشيخ عبد القادر بن عودة بن الحاج محمد بن قارة مصطفى الشريف الحسني، أحد أكبر مفتي الديار المستغانمية في القرن التاسع عشر، فهو النبراس الذي ينحدر من سلالة سيدي عفيف بمستغانم . ولد بمستغانم مسقط رأسه سنة 1862 م حيث كان محل عناية أبيه مصطفى أحد أشهر حفظة القرآن الكريم في وقته، والذي أشرف شخصيا على تحفيظه كتاب الله منذ صغره، وبعد وفاة الوالد انتقل إلى كفاله عمه الشيخ سيدي بن عودة بمدينة غيلزان، أين يقيم العم الذي رباه أحسن تربية وعلمه ما يحسنه من العلوم الدينية كالتفسير والحديث والفقه ، كما تعلم النحو والصرف على يد علماء مدينة غليزان .. وعاد بعد3 سنوات إلى مستغانم ليواصل رحلة طلبه للعلم، التي انطلقت من قصر البخاري إلى تلمسان فوهران، إذ تتلمذ على يد علماء وشيوخ نذكر منهم العربي بلقاسم والمدني والعكرمي بزاوية الموسوم بقصر البخاري . وسيدي أحمد المختار والطاهر بن عمار و العربي الفجيجي والقاضي أبو بكر بن شعيب بن علي الجليلي التلمساني عام 1927م والشيخ قدور بن سليمان المستغانمي .
أما أبرز تلاميذه، فهم إبنه البكر ولد البشير والشيخ الطاهر بن شهيدة اليحياوي والقاضي والشاعر عبد الحميد رئيس محكمة وهران. والشيخ الفقيه يوسف المجاهري والشيخ الصوفي أحمد بن مصطفى العلوي . وعن نشاطه وأعماله فقد عمر الشيخ بن قارة المسجد الأعظم بمستغانم كأستاذ لحلقاته ابتداءا من سنة 1885 م، حيث كان يحفِظَ القرآن الكريم
ويدرس الحديث والفقه المالكي والتوحيد والنحو
والصرف، وكان ابن قارة محل اهتمام أهل المنطقة، و أن أول درس شرع فيه الشيخ حضره عالم من علماء المدينة المنورة وقال لهم بعد أن استمع إلى الدرس : " يا أهل مستغانم لقد فتح الله عليكم عينا من عيون العلم والمعرفة، فاشكروه على نعمه،
و اغتبطوا في ذلك واغتنموا تسعدوا" . كما عرف عن الشيخ ابن قارة محدثا فقيها ومفتيا ، فقد وصفه معاصروه بأنه عالم جليل متواضع ومصلح بارز
ومعلم من معالم مدينة مستغانم الذي تمتع فيها بسمعة و مكانة رفيعة . من آثاره " قرة الأعيان في أدب تلاوة القرآن " وحتمية الأنوار المحمدية النبهانية و "نيل الأمان في شرح عقد الجمان" و "إرشاد الخلق إلى الحق"...وتولى الشيخ العديد من المناصب أهمها عين مدرسا بالجامع الأعظم بمستغانم خلفا للشيخ محمد الحاج بن عمر بعد تعيين هذا الأخير سنة 1885 م مفتيا للمدينة . و في سنة 1898 تم تعيينه مفتيا لمدينة مستغانم بعد وفاة الشيخ محمد الحاج بن عمر ، و قد أحدث تعيينه في هذا المنصب ضجة داخل المدينة، نظرا لصغر سنه، حيث كانت هذه الوظيفة لا تسند إلا للكهول وكبار السن ، ولكن هذه الضجة سرعان ما خمدت، بعد أن شاهد المواطنون من فقه وحكمة الشيخ وعمق معارفه ،حيث بقي الشيخ في هذا المنصب حتى بدأت أيادي الاستعمار الفرنسي تتدخل في تعيين رجال الدين الذين يهادونها و لا يحرضون المواطنين عليها ، ولما كان الشيخ ممن لم يسكتوا عن مظالم الاستعمار، و لم يكن يفوت أي فرصة أو درس إلا و حرض السكان على عدم الرضوخ للاستعمار ، فقام الحاكم الفرنسي بعزله من منصب المفتي. توفي الشيخ رحمه الله يوم الاثنين 1375 هـ الموافق لـ 14 فبراير 1956 م بمدينة مستغانم ، و قد حضر تأبين جنازته و صلى عليه الشيخ محمد بن طكوك والشيخ الطيب المهاجي عالم وهران والشيخ المهدي بوعبدلي مفتي الشلف
وغيرهم ، ودفن بتربة سيدي قدور بن سليمان .