شلابي أحمد إمام أستاذ رئيسي بمسجد الرحمان حي السعادة
وعضو المجلس العلمي بمديرية الشؤون الدينية والأوقاف لولاية وهران
إن الله اصطفى من خلقه صفايا ، فاصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم من أكرم الخليقة ، وجعله معنى الكمال على الحقيقة،فنقله في أشرف الأصلاب وأعظمها وأودعه في أشرف البطون وأكرمها وحفظ آبائه من زنا الجاهلية وسفاحها وما اجتمع أبوان من آبائه إلا ما تقتضيه شريعة الإسلام في نكاحها حملت به أمه فلم تجد في حمله ثقلا ولا وهما ولا وحما ووضعته بعد تمام الحمل فلم تجد عند الطلق ألما وخرج معه نور أضاءت له قصور الشام إشارة إلى ما جاء به عن الحق الذي ليس معه ظلام فاستنار الكون وأشرق بأنواره وتهلل وجه الزمان بطلوع بدره وإبداره وانشق لهيبته حين ولد ؛ ايوان كسرى وتواصلت البشائر والبشرى وقام الدليل والبرهان بما جاء في التوراة والإنجيل والقرآن على أنه النبي عليه الصلاة والسلام المبعوث في آخر الزمان الى جميع الناس الإنس والجان ، أكرمه الله الكريم المنان فولد في شهر الأنوار في البلد الأمين وأبرزه الله تعالى في أحسن خلق وخلق حتى فاق المخلوقات أجمعين، شب فأعجب في الشباب ، وفطر على معرفه رب الأرباب فلم يزل على عبادة ربه عليه الصلاة والسلام مواظبا ولما لا يرضيه مجانبا ، أكرمه بالكرائم ، فهو سيد ولد آدم وفخرهم في الدنيا والآخرة وهو صفوة ولد إبراهيم اختصه الله من بين الرسل بالوسيلة والفضيلة والمقام المحمود والحوض المورود وعموم رسالته للعرب والعجم ، أعلى الناس نسبا وأشرفهم لقبا ، وأكثر الأنبياء تبعا وأول من يقرع باب الجنة وأول من يعبر الصراط وأول شافع وأول مشفع معجزاته باهرة ودلائله ظاهرة منصور بالرعب مغفور الذنب عظيم الخوف من ربه، رفيع الأدب مع خالقه لا يدعي لنفسه شيئا مما لا يملكه إلا لله سبحانه وتعالى ، نشأ يتيما فلم ير والده في دهره ولم يأنس بحضانة أمه لفراقها أشد الناس تبتلا إلى الله في ليله مصليا باكيا وفي نهاره داعيا رحيما أشد الناس تواضعا وأحسنهم بشرا يجالس الفقراء ويؤكل المساكين يخصف نعله ويخيط ثوبه ويخدم أهله ونفسه يوقر الكبار ويتواضع للصغار إذا مر على الصبيان سلم عليهم ورحمهم كريم النفس جواد اليد ينفق سخاء وكرما وتوكلا رقيق القلب مليء بالرحمة عظيم الوجل من ربه كان يزور المقبرة تباعا ويتذكر الآخرة ويبكي مرارا عف اللسان لا يقع في عرض أحد كان أشد حياء من العذراء في خدرها لم يضرب خادما ولا امرأة ولا دابة وما نيل منه فينتقم كامل الخوف من ربه مع ما لاقاه من الجوع فقد كان يجد التمر على فراشه فيقول لولا اني خشيت أن تكون من الصدقة لأكلتها (رواه البخاري ) لقي من الحياة مشاقها ومن الشدائد أحلكها لم تأنس عينه برؤيه والده وفقد حنان الأمومة وآذاه قومه بالقول والفعل واتهموه بالجنون ورموه بالسحر ووصفوه بالكذب وقال الكافرون هذا الساحر كذاب 》لاقى من العدو بأسه ومن الجوع حرارته سحروه في أهله وتوالت عليه المصائب وتكالبت عليه المحن وهو في هذا كله ممتثل أمر ربه في قوله :《فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل》 كان يبث احزانه وأشجانه لزوجته عائشة فيقول:" يا عائشة لقد لقيت من قومك ما لقيت ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد وأخفت في الله وما يخاف أحد" كامل الوفاء لين الجانب دائم البشر يتفقد أصحابه ويؤثر أهل الفضل بأدبه جميل العشرة حسن الصحبة يصل ذوي رحمه ولا يجفو على أحد عف اللسان لم يكن فاحشا ولا متفحشا يحب الرفق والتيسير فحين قيل له في غزوة أحد ألا تدعو على المشركين فما هو إلا ان تدفق رفقه وطغت رحمته وفاضت طبيعته العالية وسجيته الكريمة بما يلتمس فيه العذر لهؤلاء فكان مما قال : " اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون " وقال :" إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعانا "وصدق الله حين قال :《 وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين 》إنها القلوب الكبيرة؛إنها إلى العفو والصفح أقرب منها إلى الانتقام والبطش،بعثه الله تعالى فطهر النفوس وزكاها ، وأصلح فساد القلوب والجوارح ونقاها ، نهاهم عن الشرك ودعاهم للتوحيد ،وحظهم على الإخلاص للملك المجيد، ولم يزل عليه الصلاة والسلام داعيا إلى الله بحاله وقوته وفعله فكان أجود الناس وأسخاهم وأنقاهم وأوفاهم وأتقاهم وكان أفصح الناس كلاما وأرفعهم في كل الفضائل مقاما وأعظمهم لله أدبا وأبعدهم غضبا لا يرد سائلا ولا ينهر عائلا مؤيد بالمعجزات الظاهرة والآيات الباهرة والشريعة الطاهرة أظهر الله دينه غاية الإظهار ونوه بما له من علو المقدار وأودعه من المعارف والأسرار ونشر دينه في جميع الأمصار والأقطار.
إن هذه الخصال والمواقف والشمائل آيات من الآيات على نبوته وحجة من حججه على رسالته إنها تطبيق للتعاليم بالقدوة وتعليم لأدب النفس بالعمل والأسوة، إنها الشمائل التي دعت سادة من السادات وعلية من القوم أمثال أبي بكر وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله أن يتركوا مواقفهم و يبادرون إلى اتباعه عليه الصلاة والسلام راضين بحياة تنوء بالصعاب أثقالا وتمور بالصعاب مورا ، يقابلهم ضعاف من القوم أمثال بلال وصهيب وعمار وأمه وأبيه يهرعون لدعوته ويلوذون بحماه وهم يبصرونه قليل ذات اليد أعزل السلاح يصب عليه البلاء ويطارده السفهاء ويلاحقه الاعداء لا سلطان يأويه ولا عسكر يؤيده ولا مال يمهد له في تحد رهيب ثم صفح جميل ، وما كانت الدعوة في مبدئها إلا حجارة في رمضاء وصحراء ، ما الذي ملأ قلوب كل هؤلاء عزما وإيمانا وتعبدا ويقينا إنها سيرة محمد ، وصدق محمد ، وخلق محمد وتأييد رب محمد صلى الله عليه وسلم ثم لينظر هؤلاء الشانئون المبغضين لمحمد صلى الله عليه وسلم الذين يخرجون بين الفينة والأخرى فهذا يسب ذاته الشريفة عليه الصلاة والسلام ويطعن في مقام النبوة والرسالة وذاك يرسمه رسما كاريكاتوريا متنقصا إياه وذاك يحرق مصحفا وقرآنا ، مدغدغين بذلك مشاعر المسلمين المتمسكين بنبيهم عليه الصلاة والسلام المنتمين إليه بصدق ، ماذا سيفعل هؤلاء ؟ والله يقول :《 إنا كفيناك المستهزئين》 ويقول 《إن شانئك هو الأبتر》 أي مبغضك هو الأبتر أي الأقطع ويقول:《 فاصبر إن العاقبة للمتقين 》فعلا العاقبة للمتقين فما هذه إلا تصرفات تحط من قدر صاحبها وتزيد من قدر صاحب الرسالة وصاحب الذكرى عليه الصلاة والسلام رفعة وقدرا ومكانه وعلوا وشرفا عند الناس أجمعين فهو رسول السلم والسلام والأمن والأمان والعفو والعافية والمسامحة والملاينة والدعوة والخير ، فالأتباع يزيدون والأعداء ينقرضون إن رباط المسلم برسوله الكريم عليه الصلاة والسلام أقوى وأعمق من أن تؤثر فيه هذه التصرفات الطائشة وإن الرباط الوثيق برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ حينما نكون أقرب إلى نهج محمد صلى الله عليه وسلم وخلقه في معاشه ومعاده وحربه وسلمه وعلمه وعمله و عاداته وعباداته إن الرباط برسول الله عليه الصلاة والسلام هو الذي يحمل المعلم أن يتعلم التعليم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويحمل الإمام ليتعلم الدعوة والإمامة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويحمل الجندي ليتعلم صفة الجندية من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحمل الام من تعلم وتحمل أعباء الامومة والتربية من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحمل المسؤول تحمل تكليف المسؤولية من رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن ذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم تحمل المسلم لأن يعيش الرسول صلى الله عليه وسلم في قلبه ويظهر الاتباع في عمله والتخلق بأخلاقه وإحياء سنته وسيرته وأداء حقوقه التي منها ، حبه وتعظيمه وتصديقه فيما أخبر واتباعه واجتناب ما عنه نهى وزجر
فما أرخص الحب حينما يكون كتابة و كلاما وما أغلاه وأنفسه حينما حين يكون مسؤولية وقدوة وذمام
《لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا》،《 لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم 》《وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين》
للخلق أرسل رحمة ورحيما***صلوا عليه وسلموا تسليما