ملكة " القُمبري " وسفيرة " القناوي" حسنة البشارية في حوار حصري لـ " الجمهورية " :

" أسعى إلى ترسيخ فن "الديوان" لدى الجيل الجديد "

" أسعى إلى ترسيخ فن "الديوان" لدى الجيل الجديد "
ثقافة
حسنيات حسنة المعروفة بـ "حسنة البشارية" أو المرأة الحرّة ، من مواليد 1950 ببشار ، وهي ''ملكة القمبري'' بامتياز، تنحدر من عائلة فنية وتعشق طابع الغناوي الذي تخصّصت فيه، وأبدعت في تقديمه بجُلّ المسارح الدولية، وفي هذا الحوار تكشف لنا حسنة البشارية العلاقة الحميمة التي تربطها بآلة "القمبري" التي تعلمت العزف عليها منذ صغرها خفية عن والدها، وهي ترافقها إلى غاية اليوم في رحلاتها الموسيقية وحفلاتها وأعمالها الفنية، كما تحدّثت حسنة البشارية عن المحطات التي عاشتها ،وهي تعتلي سُلم النجومية ممثلة بلدها أحسن تمثيل، كما لم تخف محدثتنا الصعوبات التي واجهتها، بعد أن تحدّت العادات والتقاليد بمنطقة الجنوب الجزائري، حتى تُوصل رسالتها إلى العالم وتبرز أهمية التراث الجزائري عبر فنها الراقي. الجمهورية : في البداية كيف تقضي السيدة "حسنة" شهر رمضان الكريم ؟ حسنة البشارية : أقضي شهر رمضان في بيتي، وألتقي بعد الإفطار بأحبابي، حيث أمضي السهرة الرمضانية على أنغام آلة القيتارة ، وتارة الغمبري . أنت من الفنانات القليلات اللواتي تحدّين الواقع بمنطقة الجنوب ، وفرضت نفسك على الساحة الفنية العالمية قبل الجزائرية، فهل تحدثنا حسنة عن هذا التحدي ؟ البداية كانت ببشار، كنت أنشط في الأعراس سنة 1972 إلى غاية سنة 1999 ، تنقلت بعدها إلى فرنسا أين فجرت كامل إمكانياتي، وألفت ألبوما هناك، وفي سنة 2007 دخلت إلى الجزائر، فمن أصعب الأمور أن يتحدث الفنان عن نفسه أو عن أعماله، وعن أي شيء يخصه، وفيما يتعلق ببداياتي الفنية، فهي تشبع بداية أي فنانة جزائرية على غرار ملكة أغنية الراي "الشيخة الريمتي" التي واجهت صعوبات جمّة ومشاكل مع أسرتها الصغيرة ، و أيضا الفنانة " بقّار حدّة "من أقصى الشرق الجزائري، فهي امرأة تحدّت قوانين العرش من خلال أدائها للأغنية الشاوية بحرية تامة، وهكذا فحسنة البشارية من الجنوب عاشت نفس المراحل والتحديات، حيث أن موهبتي الغنائية لم تبرز إلى النور، وإن صحّ القول وُلدت وهي موؤُودة بسبب الظروف التي كانت تحيط بمجتمعي الصغير ،رغم أنني نشأت في أسرة تعشق الفن وتقدسه، فوالدتي رحمها الله، كانت "شاوشة " أي المرأة التي تهتم بشؤون النساء عند" الغناوة"، كما أنها كانت تُحسن " الجذب" وهي الطقوس المتعلقة بالغناوي، ووالدي كان مقَدّم "الغناوة"بمدينة بشار، ومنه تعلمت الإرهاصات الأولى للعزف عن آلة القمبري،وبما أن إيقاعات "القمبري" كانت تستهويني، فإن ذلك جعلني أتعلم كل شاردة وواردة تخص تلك الآلة، وقبل أن أعشق "القمبري" كنت أعزف على قيثارة من نوع "الأكستوتيك"، كانت تخص ابن عمي ،حيث كنت أخترع قطعا موسيقية وأعزفها بطريقة ممتعة ورائعة، وأعتقد أن تلك الآلة دفعتني لأحب القمبري ،وأعزف بتلقائية وثقة كبيرة على أوتاره، وكل ذلك كان يتم بعيدا عن أنظار والدي. كيف تعلمت العزف على آلة القمبري؟ بما أنني كنت أعشق هذه الآلة إلى درجة الهوس، كنت أستغل كل شيء وكل شخص يوصلني إليها، وبما أن " محمد الذيح" كان يعمل "شاوش الغناوة " عند والدي، رحمه الله، بالمحلّة، الله يذكره بالخير، كان يحضر لي آلة والدي، ويقوم بتلقيني العزف على أوتاره، وبعدها قمت بصناعة آلة بطريقة عشوائية، غير أنها تعتمد على مقاييس عالية في الوضع المحكم للأوتار، وجسدت ذلك" القمبري" الخاص بحسنة ، بعود المكنسة ودلاء مصنوعة من مادة الحديد ، إضافة إلى بعض الأوتار، فأصبح لدي آلة قمبري خاصة، وأخذت أنشط الحفلات والأعراس الخاصة بالنساء، وكل ذلك كان يتم خفية عن والدي الذي أصرّ على رأيه، وعلى معارضة رغبتي في الغناء والعزف على آلة القمبري، بحجة أن هذه الآلة مخصصة للرجال فقط، غير أن السبب الحقيقي لمعارضة والدي هو خوفه من عدم إتقاني للعزف على تلك الآلة التي يعتبرها الرجل القناوي شيئا روحانيا مقدسا لا يمكن أن يدنس إطلاقا. بعض فناني الغناوي أكدوا لنا أنه بعد وفاة والدك، رحمه الله، تغيرت الأمور، فمن اكتشف موهبة حسنة البشارية وسافر بها إلى الخارج؟ سبق أن قلت أنني كنت أنشط وأحيي الحفلات والأعراس بمدينة بشار والمدن المجاورة لها، وأعتقد أن ذلك خلق لي شعبية وشهرة كبيرتين، غير أنه وللأسف كان يتم ذلك في صمت وخفية، وبعد وفاة والدي تم تسليط الأضواء عليّ من طرف مديرية الثقافة بالولاية، من خلال دعوتي لإحياء الحفلات الرسمية في المناسبات الوطنية والدينية، كما تمت استضافتي أكثر من مرة بالإذاعة، وخلالها استمع الصحفي " محمد علالي " الذي كان يعمل منشطا بالإذاعة الوطنية لغنائي وعزف على آلة الغمبري، وتم ذلك بفرنسا، حين أخذ أحد المغتربين بعض أغنياتي مسجلة على شريط، إثرها قام محمد علالي بدعوتي إلى فرنسا في سنة 1999 ، وطلب مني إحضار القمبري ، وهناك كانت انطلاقتي الرسمية• وماذا عن وصية والدك المعارضة لموهبتك؟ صدقني ، وأنا أحضر حقيبتي للسفر، أخذ هاجس والدي يلاحقني، وشعرت بغصّة تحرق صدري، غير أن تشجيع أبنائي فاطمة ومصطفى ، هو الذي دفعني لأن أسافر وأكشف للعالم موهبتي الموسيقية النابعة من عمق تراث وتقاليد أجدادي ، وللعلم، فهما أيضا يعشقان الفن، كما أنهما يعزفان على" القمبري" والبندير والعود، وبمجرد ما وصلت إلى باريس في تلك الليلة، حتى رأيت والدي في المنام يؤكد لي أنه يبارك خطاي نحو العزف على القمبري، والله فرحت كثيرا في ذلك المنام، ويبقى ذلك حسب النيّة عند " المقدمين الغناويين" . كيف كانت انطلاقتك الفنية بباريس؟ تم تنظيم سهرة كبيرة لي، بحضور كبار الفنانين وعشاق الموسيقى الغناوية، وما لفت انتباهي ذلك العدد الكبير من الحضور ومن جنسيات مختلفةّ، وهذا الحضور الغفير وغير المتوقع الذي استمع لأدائي لأول مرة جعلني أثق في نفسي أكثر، حينها علمت أن الفنان هو السفير الحقيقي لبلده ولفنه، وفي الـ9 من جانفي 1999 ، وقّعتُ أول عقد نحو النجومية، بعدما اعترف لي الجمهور الأوروبي العاشق للفن الصحراوي بأنني بالفعل" ملكة القمبري" وسفيرته عبر العالم، وبأنني بيت قصيد الثقافة والغناء الصحراوي الجزائري الأصيل، وفي السهرة التي أحييتُها، حضر الكثير من الإعلاميين، وقاموا بتغطية الحدث، كما أن بعضهم أجرى معي لقاءات صحفية• بعد ذلك النجاح غير المتوقع، هل وجدت من يتكفل بك هناك فنيا ؟، بمعنى هل كان لديك مدير أعمال يدير أعمالك؟ بعد سفري إلى فرنسا كنت خائفة رغم ثقتي الكبيرة في آلتي وعزفي المتألق، لكن بمجرد وصولي واكتشافي ذلك العالم الذي يحترم الفن والفنانين، قررت أن أواصل مسيرتي الفنية،بعدما توفرت لي كل الظروف ،حيث اهتمت بي مؤسسة الإنتاج ''ابيرومونتغليكس'' الفرنسية اهتماما كبيرا، وأصبحت السيدة "ميغري بيرجوت''مديرة لأعمالي، وتكلفت بكل جولاتي وأعمالي، وقُمت بإحياء عدة جولات وسهرات فنية، بفرنسا وضواحيها والدنمارك وأمستردام والمغرب وتونس والقاهرة ، كما أنني مثلت الجزائر أحسن تمثيل في كل المحافل الدولية . ما هو الألبوم الذي صنع لك هذه الشهرة الكبيرة؟ "الجزائر جوهرة'' هو عنوان ألبومي الأول الذي حقق لي هذا النجاح، كما أنني تلقيت عليه الكثير من التشجيع والتقدير. كيف تأسست فرقتك؟ ومن هم أعضاؤها؟ الفرقة تأسست بطلب من مؤسسة الإنتاج التي أتعامل معها، وتشكلت من 6 أعضاء مختلفي الجنسية، غير أن أفكارهم واحدة وهدفها خدمة الفن، ومن بين هؤلاء ''الأخوان غويغ وأنياس" من البرازيل، "فيكتور" من فرنسا، "محمد مني " من سعيدة ، سعاد عسلاوي من بشار، وبطبيعة الحال أنا من يترأس الفرقة. هناك الكثير من الفنانين سُرِقت أعمالهم عن طريق القرصنة، ما تعليقك على ذلك؟ بالفعل، ظاهرة القرصنة أصبحت الشبح الذي يلاحق الفنانين أكثر من أي وقت مضى، وقد كنت ضحية ذلك ، حيث تعرضت ألبوماتي للقرصنة من طرف شركة ،وقمت خلالها برفع دعوى قضائية عليهم ،غير أن الأمور لم تشهد أي جديد، ولهذا أوجه رسالة ، علّها تنظر في الأمر وأستعيدُ ما سُلب مني بطريقة غير قانونية. هل تفكر حسنة في تعليم الفتيات العزف على آلة القمبري؟ لحدّ الآن لم تتصل بي أية بنت أو امرأة تطلب أن أعلمها الغناوي، وأنا مستعدة لذلك وفي أي وقت، لأنني أفكر في ذلك دوما، وهو حلم يراودني كثيرا، وهدفي من وراء ذلك هو المحافظة على التراث الجزائري عامة، وعلى العزف على آلة القمبري من جهة أخرى، فأنا أسعى لترسيخ التراث الغناوي لدى الجيل الجديد، غير أنه وللأسف بقيت آمالي مجرد أحلام والسبب، هو أنني لا أملك مقرا لتحقيق ذلك. قام والي الولاية بزيارتك مؤخرا في منزلك وتم تكريمك أمام الجمهور، ما هو تعليقك؟ صراحة، تفاجأت بهذه الزيارة ،وسررت كثيرا بها، وهي ثاني مرة يقوم فيها السيد الوالي بزيارتي،كما أحيي جميع الجمهور الذي حضر السهرة . ما هو الطبق المفضل لدى حسنة؟ أفضل طبق ''البلبولة" و طاجين" الملوخية". من هو المغني المفضل لديك؟ رغم أنني كبيرة في السن، غير أنني أعشق الاستماع للغناء العاطفي، والمرحوم "حسني " هو الفنان المفضل لديّ . كلمة لشباب وسكان وفناني ولاية بشار ؟ أود أن أقول لكل الشباب، إن الجزائر هي فخر لكل فنان وهي مدرسة لكل أنواع الإبداع، والفنان الجزائري له شهرة كبيرة ويلقى الاحترام الكبير، أحيي كافة السكان وأقول لهم رمضان مبارك.

يرجى كتابة : تعليقك