فقدت الجزائر اليوم المفكر والناقد الموسوعي والكاتب الكبير فارس لغة الضاد عبد المالك مرتاض الذي وافته المنية عن عمر ناهز 88 سنة بعد صراع طويل مع المرض، وقد شكل رحيله حزنا وألما كبيرين وسط قرائه ومحبيه وأصدقائه، فهو أحد أعمدة اللغة العربية في الجزائر ومربي الأجيال الذي قدم الكثير للمشهد الفكري الجزائري، واستطاع من خلال جهوده البحثية ودراساته ومؤلفاته القيمة أن يواكب كل التطورات في حقل الدراسات النقدية والأدبية، كما كانت له خدمات جليلة في الساحة الثقافية والفكرية والإعلامية، ما جعله يصنف كواحد من أبرز علماء اللغة واللسانيات في العالم العربي.
وإثر هذه الفاجعة الأليمة، أعرب المثقفون عبر صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي عن حزنهم الكبير لفقدان عاشق اللغة العربية الأديب والأكاديمي الألمعي عبد المالك مرتاض الذي اشتهر بعبقريته في الاشتغال على النصوص الشعرية والسردية، وعدّدوا خصاله ومناقبه وإسهاماته في إثراء المجال الفكري ببصماته الأدبية والنقدية ودراساته التطبيقية الجادة، كما أشار الكثير من الباحثين والنقاد والمختصين إلى أن عبد المالك مرتاض رحمه الله كان من أنشط الباحثين وأغزرهم إنتاجا، وكان من الأسماء العربية الأولى والبارزة التي ولجت ميدان تحليل الخطاب، نال عدة شهادات تقديرية وفخرية وكرَّمته هيئات علمية وثقافية، كما سُجل اسمه في موسوعة" لاروس" بباريس ضمن قائمة النقَّاد، وقد تخرج على يده أجيال من الباحثين في حقل الدراسات النقدية وفي تقنيات السرد ونظرية الرواية.
الدكتور عبد المالك مرتاض هو من مواليد 1935 بمسيردة ولاية تلمسان، حفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ الفقه والنحو في كُتّاب والده بقرية " الخماس"، تعلم واجتهد وقضى محطات هامة في مساره الدراسي، إلى أن نال درجة دكتوراه في الأدب بجامعة الجزائر عام 1970، وفي عام 1983 تحصل على دكتوراه دولة في الأدب من جامعة السوربون بباريس، ليتم تعيينه سنة 1971 رئيسا لدائرة اللغة العربية وأدابها بجامعة وهران، تم انتخابه سنة 1975 رئيسا لفرع اتحاد الكتاب الجزائريين بولايات الغرب الجزائري، بعدها عُيّن نائبا لمدير جامعة وهران (1980-1983)، انتُخب سنة 1981 عضواً في الهيئة المديرة لاتحاد الكتّاب الجزائريين، تم تنصيبه على رأس الثقافة والإعلام بولاية وهران 1983 – 1986، واُنتخب أمينا وطنيا مكلّفاً بشؤون الكتّاب الجزائريين (1984-1989)، خلال سنة 1984 ترأّس مؤتمر الكتّاب والصّحفيّين والمترجمين الجزائريّين، وخلال الفترة الممتدة بين ) 1986-1998(، تمّ تعيينه رئيساً للمجلس العلميّ بمعهد اللغة العربية وآدابها في جامعة وهران، من أهم إصداراته " نهضة الأدب المعاصر في الجزائر" ،" الأدب الجزائري القديم، دراسة في الجذور"، " السبع المعلقات" ، " التحليل السيميائي للخطاب الشعري"، " القصة الجزائرية المعاصرة "، "العامية الجزائرية وصلتها بالفصحى"..الخ ، إلى جانب الروايات على غرار رواية " واد الظلام"، "رباعية الدم والنار"،" ثلاثية الجزائر"، " الملحمة "، "الطوفان "، "الخلاص" وغيرها، وإلى اليوم تُقدم حول كتاباته النقدية والإبداعية، رسائل ماجستير ودكتوراه في الجزائر والوطن العربي.
أسّس مجلة "دراسات جزائريّة" عن معهد اللغة العربية وأدابها بجامعة وهران سنة 1998، ومجلة "اللغة العربية" بالمجلس الأعلى للغة العربية التي ترأس تحريرها خلال الفترة الممتدة بين 1998 و2001، كان عضوا في لجنة تحكيم مسابقة " أمير الشعراء " منذ انطلاقتها حتى موسمها التاسع، آخر تتويج له كان فوزه بجائزة " العويس" الثقافية للدراسات والنقد في دورتها الـ17، وتم تنصيبه بداية ماي 2022 رئيسا للمجلس الوطني للفنون والآداب.