في كل يوم تطالعنا الصحف بحجز كميات معتبرة من السلع الموجهة للمضاربة و الاحتكار كتلك واسعة الاستهلاك خصوصا في هذا الشهر أو منها الموجهة للاستهلاك و هي غير صالحة لذك أصلا بسبب مصدرها أو انتهاء صلاحيتها.. فضلا عن حالات الغش و الاحتيال في المكونات و النوعية و الجودة..
كما يتم في كل يوم حجز كميات كبيرة من الممنوعات و مداهمة أوكار و أماكن نشاطات مشبوهة...تنشط بشكل غير رسمي، أو تتجاوز مجال خدماتها دون مراعاة للشروط و الظروف المطلوبة و أحيانا دون مراعاة لقيم و أخلاق مجتمعنا المسلم الأصيل.
إنها أخبار تمتلئ بها وسائل الإعلام المكتوبة و المرئية وسط ذهول و استهجان الناس خصوصا في مناسبات مثل شهر رمضان و التي تفترض وجود حد ادنى من الاحترام لحرمة شعيرة الصوم و حرصا على سلامة أدائه، و هو الركن الثالث من أركان الإسلام ويعتبر العلم بشروطه و واجباته و منهياته من المعلوم من الدين بالضرورة .
لأن العبرة ليست بمجرد الالتزام الشكلي بالعبادة المطلوبة ، بل تأثيرها في حياة الإنسان المؤمن الذي يعبد الله كأنه يراه؛ و يعلم أنه إن لم يكن يراه، فهو تحت عينه و رقابته في ظاهره و باطنه و هو الذي يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور.
و قد أشار رسولنا الكريم لمثل هذه المفارقات و التناقضات حيث قال في الحديث: عن أب هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ربَّ صائمٍ ليسَ لَه من صيامِه إلَّا الجوعُ وربَّ قائمٍ ليسَ لَه من قيامِه إلَّا السَّهرُ( صحيح ابن ماجة.
ذلك أن المسلم يراعي في عباداته القيام بها بنيتها و بإخلاصها و بأركانها و فروضها و سننها...على وجه الاتقان و الإحسان مع رجاء الحصول على الأجر و الثواب الكامل و حمايته من النقص و البطلان.
لذلك فهناك من سيصوم و سيقوم، لكن لن يكون له من صومه إلا الجوع و العطش ، و ليس له من قيامه إلا التعب و السهر؛ إذا خالف سلوكه العام مقتضيات الصيام من عدم الرفث وعدم الصخب و عدم التعدي على حقوق الغير و التسبب في وقوع الإذاية بهم ..سواء بسبب سلوكه العام أو تصرفه المهني، فكأنه لا يقيم وزنا للحلال و الحرام خارج نطاق الأكل و الشرب و الفطور و السحور.
و يأتي التنبيه النبوي القوي للحسم في أن المطلوب هو التطابق بين أخلاقك مع ربك وأخلاقك مع الناس من حولك في البيت أو العمل..فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن لم يَدَعْ قول الزُّور والعملَ به والجهلَ، فليس للهِ حاجةٌ أن يَدَعَ طعامه وشرابه))؛ رواه البخاري
فالصوم تربية على الإخلاص و التقوى و الإحساس بالغير و ليس مجرد طقوس و مظاهر جوفاء.
لذا فمن كان يؤمن بالله و اليوم الآخر عليه أن يخاف الله في العمل و في التعامل مع الناس سواء أهله أو جيرانه أو زبائنه..و يتجنب ما يمكن أن يلحق به سخط الناس الموجب لسخط الله تعالى.
إذن الصيام ليس مجرد الامتناع عن الأكل و الشرب و لكن استشعار رقابة الله لك في السر و العلن و العمل على تمثل التقوى كسلوك ثم كثمرة " لعلعهم يتقون"
جعلنا الله وإياكم ممن صام رمضان وقامه إيمانا و احتسابا
و إلى موضوع آخر بحول الله