روحانيات الجمهورية

[ولا تلزموا أنفسكم]

[ولا تلزموا أنفسكم]
رمضانيات
هذه توجيهات قرآنية للنفس البشرية، يفوح عطرها شذى لا مثيل له ، وتنشر نورا من الإيمان لا مكان للظلام معه ، وترسم بحروفها طريقا مستقيما لا اعوجاج فيه ، نسوقها إلى كل نفس أصابها وباء الهمز واللمز ، فهي عميقة في معناها الأخلاقي ، وفي مرادها التربوي ، لأنها تبني لنا منهجا قيما في التواضع وحسن التعامل ولين الجانب ، وتربي الأمة على آداب الإسلام الخالدة ، وأخلاقه الحميدة ، حيث ينهانا الله عز وجل من خلالها عن السخرية بالناس ،أو احتقارهم ،أو الاستهزاء بهم، أو استصغار شأنهم ، ويقرر أن ذلك كله أمر محرم لا خير فيه ، وقد يكون المُحْتَقَرُ أعظم قدرا عند الله عز وجل وأحب إليه من ذلك الساخر الذي يقلل من شأن أخيه فيسخر منه . فالله عز وجل يقول : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} سورة الحجرات الآية 11 هذا نداء للمؤمنين يأتي من الرحمن ، في شهر القرآن ، إشفاقا عليهم، وتربية لأنفسهم ، وتذكيرا لهم بضرورة الإلتزام بصون حقوق الأخوة الإيمانية التي تربط بينهم ، إنه يأمرهم بالامتناع التام عن الوقوع في السخرية والاستهزاء من بعضهم البعض، لأنّ هذا مما ينمي الحقد في الصدور وينشر العداوات بينهم ، وذلك محرم عليهم . وما هذه الآيات إلا فيوض من الرحمات الربانية تتتابع في شكل توجيهات للمجتمع المسلم، ليلتزم كل فرد فيه بما يكفل ترابط الأمة، وجمع شملها، ونشر روح المحبة والتعاون بينهم . فهذا منعى قوله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ} أي : أيها المؤمنون لا تتبادلوا بينكم النداء بقبيح الألقاب ، وسيء العبارات، ولا يلمز أحدكم أخاه بكلمات فيها التقليل من شأنه، والحط من قيمته، ولو لم يكن يقصد بذلك إحتقاره، فالمؤمن عليه واجب الأخوة، التي تجعله يلتزم بحفظ مشاعر إخوانه، لتدوم له مودتهم ، ثم قال تعالى : {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ } أي: صونوا ألسنتكم عن قبيح القول، لا يعب بعضكم على بعض، واللمز: يكون بالقول السيء، وأما الهمز: فبالفعل المعيب ، وكلا الصفتين، حرمهما الشرع، وتوعد كل نفس همازة أولمازة بالنار. قال تعالى: { وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} ، وإنما المسلم أخ المسلم كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة.) فمن همز أخاه أو لمزه، فإنما أساء لنفسه قبل غيره . ثم قال الله تعالى : {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} أي ؛ لا يعير أحدكم أخاه، فيدعوه بلقب فيه ذم وانتقاص ، يكره أن يطلق عليه ، وهذا هو التنابز الحرام، وأما الألقاب غير المذمومة، فلا تدخل في هذا النهي. ثم قال تعالى: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} أي: ما أسوأ هذا الفعل الذي جعلكم تبدلون الإيمان والعمل بشريعة الرحمن، باسم الفسوق والعصيان، فإن من وقع في هذه الصفات الذميمة، فإنما وقع في فسق ينقص من إيمانه، وإن هو أصر على مثل هذا السلوك المشين، ولم يتب منه، ويقلع عنه ، فقد وقع في المحظور، ويكون قد ظلم نفسه قبل أن يظلم غيره. لذلك قال تعالى بعد ذلك: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ثم أنه تعالى هدانا إلى ما نداوي به أنفسنا إن هي وقعت في هذه الصفات المحرمة ألا وهو التزام باب التوبة والإنابة . ومن ثمة، فالواجب على المسلم ، وهو في شهر الصيام، شهر التوبة والإنابة إلى الله، أن يتوب إلى ربه، فيبرأ من حق أخيه المسلم، باستحلاله، والاستغفار، والمدح له، في مقابل ما وقع منه من ذم أخيه ،حتى يعلم أنه وفاه حقه وزاد عن ذلك. فاللهم أصلح حالنا ومآلنا آمين

يرجى كتابة : تعليقك