الكتاتيب والزوايا القرآنية هي من المؤسسات القديمة العريقة بالمجتمع الجزائري التي لا تزال تلعب دورا مهما في التحصيل العلمي والمعرفي والثقافي، لاسيما القرآني كما هو الحال بجُل مناطق ولاية البيض التي تفتقر إلى مكتبات على غرار باقي ولايات الجنوب، لذلك فهي تشكل فضاء بديلا للكثير من الدارسين وطلبة العلم الذين يأتون من كل حدب وصوب، ولا تزال الكتاتيب إلى اليوم تقوم بمهمتها في خدمة الأجيال، لاسيما تحفيظ كتاب الله وتعليم مبادئ وأسس الدين الإسلامي والمحافظة على الإطار العام للشخصية والهوية الوطنية على غرار الدور الذي لعبته بالأمس خلال الثورة التحريرية، والأهم من ذلك المحافظة على مقومات البقاء والاستمرارية للثقافة وتعليم اللغة العربية، وهي من أهم الثوابت، حيث تستقطب سنويا الزوايا والكتاتيب الأطفال والفتيات والشباب وحتى كبار السن لحفظ كتاب الله والأحاديث النبوية الشريفة، وكذا أصول الدين وشتى العلوم والتجويد والسيرة النوبية وإتقان اللغة العربية والنحو وشتى العلوم وغيرها.
وتحرص العائلات بولاية البيض على تعليم أبنائها القرآن الكريم وفق عاداتها وتقاليدها الراسخة على ضرورة تشجيع هذا التحصيل العلمي الناجح الذي لا يتطلب إمكانيات كبيرة، بل يقتصر على اللوحة والقلم الخشبي و"الدواية"، وهي من المناهج التعليمية والسبل والطرق الكفيلة الناجحة التي اعتاد الآباء والأجداد والأجيال المتعاقبة منذ قرون مواصلتها والمحافظة عليها وحققت مستويات في التحصيل العلمي حسب مختصين، ولا يزال السكان يحافظون عليها بالرغم من تأثيرات العصرنة ويواصلون درب الآباء والأجداد في التحفيظ القرآني كما يستغل طالبو العلم لاسيما الأطفال والتلاميذ معظم أوقات العطل لمواصلة دراستهم بعد مغادرة المدارس النظامية هروبا من الفراغ الكبير الذي قد يوقع الأبناء في "المتاهات" حرصا من أوليائهم وحثهم على حفظ كتاب الله وإشغالهم بما ينفعهم في الوقت الراهن والمستقبل ، وهناك من يرى أن هذا الإقبال الكبير على حفظ القرأن الكريم بالزوايا والمدارس القرآنية يعود إلى تمسك الأسر الجزائرية المحافظة على هذا النوع من التعليم المتميز العريق الذي لا يزال متواصلا بالمناطق الوطن وفي البلدان الإسلامية، علما أن هذا العلم معمم بالقرى والمداشر، وحتى بالأرياف البعيدة يتجلى ذلك بتحويل بعض الخيم إلى دور علم، ويعتبر من أهم الضروريات في حياة السكان لمحاربة الأمية التي تسخر لها الدولة إمكانيات