تعرف ظاهرة التفكك الأسري انتشارا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، حيث سجلت الجزائر أرقاما مخيفة تتعلق بهذه الظاهرة، فالطلاق أصبحا أمرا عاديا لدى بعض النساء والرجال، ويعتبر بالنسبة لهم الحل الأول والأمثل للمشاكل التي تعترض حياتهم الزوجية، فلا يتردّدون في اللجوء إليه في أول فرصة، بدلا من معالجة المشكل في حد ذاته، ويتجهون مباشرة إلى المحاكم دون أي تردد أو ندم أو تفكير في مصير أبنائهم.
وقد تغيرت العادات والتقاليد فيما يخص الطلاق، ففي السابق كانت المرأة عندما تتوجه إلى منزل أهلها وتطلب الطلاق أو "الخلع"، فإن الوالدين يحاولان إيجاد حلول ويرغبون في إعادة لمّ الشمل الأسرة، وأيضا يحدث نفس الشيء مع أهل الزوج، وهناك أيضا من يتجه نحو المسجد لاستشارة أعضاء مكتب الفتوى الذين يستدعون الزوجين في جلسة صلح، محاولين إيجاد حل للمشكل الذي جعلهما يفكران في فك الرابطة الزوجية، وفي حال أصرّ الطرفان على الطلاق وبعد استحالة تحقيق التصالح بينهما، يمكنهما التوجه نحو المحكمة للبدء في إجراءات الطلاق، لكن للأسف كل هذا الخطوات اختفت خلال السنوات الأخيرة، والحلول باتت شبة منعدمة، وأصبحت المحكمة في مقدمة الحلول بالنسبة للزوجين .
هناك ظاهرة غريبة انتشرت بكثرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تتعلق بظاهرة الطلاق، فبمجرد الانتهاء من إجراءات الطلاق أو "الخلع" وإصدار الحكم النهائي من القاضي يفيد بفك الرابطة الزوجية، حتى تسارع النساء المطلقات إلى تحضير "حفل بمناسبة الطلاق"، ويقمن بشراء "كعكة كبيرة مزينة بالفواكه والشوكولاطة" مكتوب عليها عبارة " طلاق سعيد"..، ويقمن بالاحتفال رفقة صديقاتهنّ من خلال الرقص والغناء والهتافات والتقاط الصور، وبعدها تقوم المرأة المطلقة بنشر الصور عبر حسابها في "الفايسبوك" والأنستغرام، وأيضا الفيديوهات الاحتفالية، معبرة عن فرحها بطلاقها، وهذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا، أثارت استياء الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين وصفوا هذا التصرف بـ" الاستفزازي" وغير المحترم، كما أنه سلوك غير أخلاقي لا يعبر عن عادات وتقاليد مجتمعنا المحافظ.
من جهة أخرى فقد ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي ما يسمى بـ "مستشارات العلاقات الزوجية" اللائي يظهرن في فيديوهات يومية يقدمن نصائح للزوجات وينشرن أفكارهن السامة للتخلص من العلاقة الزوجية من خلال إرشادات دخيلة على مجتمعنا وديننا، على غرار كيفية التحكم في الزوج والامتناع عن تخصيص وقت كبير لأسرتها بحجة الاهتمام أكثر بالنفس وتحريضهن على الطلاق، في حال واجهت مشكلا مع زوجها الذي يحاول قهر حريتها والسيطرة على قراراتها حسب رأي مستشارات الفايسبوك والأنستغرام وأيضا بعض المؤثرات اللائي يغرسن الكثير من المفاهيم النرجسية في عقل النساء المتزوجات، وهي مفاهيم وأفكار أودت بالكثير من النساء إلى الهاوية، وتسببت في طلاقهن وتفكيك أسرتهن .
وبناء على هذا، فإن من يدفع تكلفة الطلاق هو الطفل الذي يبقى واقفا في المنتصف وبعد أن كان يعيش رفقة والديه ينعم بالأمان، يجد نفسه تائها في دوامة وحياته منقسمة إلى أسرتين، ناهيك عن الصراعات التي تنشب بعد عملية الطلاق ما بين الوالدين، فيصبح الطفل ضحية ويدفع الضريبة، وهذا يؤثر كثيرا على دراسته وتجعل مستواه يتراجع، بل يصل به الأمر إلى مغادرة مقاعد الدراسة، وبالتالي اقتحام عالم الانحراف والآفات الاجتماعية المختلفة ...