الدكتورة بوكرو آمال أستاذة محاضرة بكلية علم النفس وعلوم التربية :

" الطفل هو الضحية الأولى للتفكك الأسري"

" الطفل هو الضحية الأولى للتفكك الأسري"
مجتمع
من أجل التعرف أكثر على مفهوم الأسرة وأسباب التفكك الأسري وتأثير هذه الظاهرة على حياة ومستقبل الطفل، تواصلنا مع الدكتورة بوكرو آمال وهي أستاذة محاضرة بكلية علم النفس وعلوم التربية بجامعة عبد الحميد مهري قسنطينة 2- التي تطرقت إلى الموضوع بالتفصيل، وسلطت الضوء على التأثير الذي يولده الطلاق على نفسية الأبناء وعلى مستواهم الدراسي، مع اقتراح بعض الحلول التي تسهل تقبل الطفل للوضعية العائلية الجديدة بعد انفصال والديه، وتقليل الأضرار عليه قدر المستطاع. في البداية، كيف تعرف الدكتورة بوكرو آمال التفكك الأسري ؟ قبل التحدث عن إشكالية التفكك الأسري، لا بد من التطرق إلى مفهوم الأسرة، وهي الوحدة الاجتماعية الوسيطة بين الفرد والجماعة، كما تعتبر أحد المقومات الثقافية للمجتمع، وتتمثل أهم وظائفها في تلبية احتياجاتنا النفسية والاقتصادية والتربوية والثقافية؛ زيادة على كونها من أهم محددات تنشئتنا الاجتماعية ومكتسباتنا وقيمنا ومعتقداتنا ومعارفنا ومعاييرنا وما إلى ذلك. ويتحقق كل ما سبق ذكره من خلال ديناميكية علائقية وتفاعلية بين أفراد الأسرة ، أي بين الأفراد الذين يربطهم شكل من أشكال القرابة. وعندما يتغير النظام العلائقي والتفاعلي بصفة معتبرة ، والذي تم إنشاؤه مسبقًا بين أفراد العائلة، نتحدث حينها عن "تفكك أسري"،والذي يصيب جميع الأوساط الاجتماعية والثقافية. بدلا من حرصها على توفير مكان آمن ومستقر، تتحول العائلة إلى مقر للمعاناة وعنصرا ممهدا للانحراف وحتى للجريمة، إن للتفكك الأسري انعكاسات وخيمة على جميع أفراد العائلة، ونختص بالذكر الطفل كونه دائما الضحية الرئيسية بسبب هشاشته وضعفه. ما هي أسباب وأشكال التفكك الأسري؟ عندما نتحدث عن تفكك أسري، يتبادر إلى أذهاننا في أول وهلة طلاق الوالدين، لكن هذا المفهوم أوسع بكثير من ذلك، فهو يتضمن العديد من الأشكال، منها ما هو جلي ومنها ما لا نكاد الكشف عنه. وأخص بالذكر الغياب النفسي والعاطفي لإحدى الوالدين أو لكلاهما. أين نشهد عجزا على قيامهما بدورهما التربوي على أكمل وجه، بل نلاحظ انهماكهما الدائم في انشغالات شخصية تجعل الطفل آخر اهتمامهما، حتى لا أقول أنهما لا يولونه أي قيمة من الأصل. للأسف، نجد الطفل يعيش حرمانا عاطفيا وهجرانا حقيقيين لكن بشكل خفي. كما يمكن أن ينجم التفكك الأسري عن وضعيات متعدد أبرزها: وفاة إحدى الوالدين أو كلاهما، الانفصال، الإصابة بمرض عقلي أو باضطراب في الشخصية يعيق القدرة على الاهتمام بالطفل، وجود إشكالية إدمان لدى كلا الطرفين أو إحداهما، صراعات الوالدين الدائمة والمستمرة، دخول السجن وحتى الهجرة. ما هي آثار الطلاق والتفكك الأسري على الطفل ..؟ قد يعبر التفكك الأسري عن مرحلة صراعية عابرة، يمكن تداركها من خلال تعبير الوالدين للحب وللاحتواء للطفل وكذا تحسيسه بالأمان وبالقيمة. وبذلك سيتمكن الطفل من مواصلة حياته بشكل طبيعي دون أن تتأثر صحته النفسية والعقلية بشكل كبير. لكن لا يمكن إنكار أنه مهما كان السبب أو الموقف المؤدي إلى التفكك الأسري، فإن الطفل سيعاني في البداية، إذ سيحس بالخوف والضياع والتهديد بسبب توجسه من احتمال انفصال والديه نهائيًا، وفقدان الوحدة الأسرية. زيادة على ذلك، إن تفكك الأسرة سينعكس لا محالة على المجتمع، حيث يؤدي إلى اختلال المعايير والقيم الأخلاقية و تدمير النسيج الاجتماعي. وفي غالبية الأحيان وللأسف، تؤثر مشكلة التفكك الأسري على الأطفال لدرجة أن الأضرار الناجمة عنه تكاد تكون غير رجعية، أذكر منها: ظهور اضطرابات في النوم واضطرابات في التغذية تبدأ من فقدان الشهية المؤقت، إلى الامتناع عن الأكل بشكل نهائي أو الشراهة المرضية، قلق وخوف الطفل من فقدان مكانته وحب الوالدين له، نقص في تقدير الذات وفي الثقة بالنفس، صعوبات علائقية واضطرابات سلوكية، تقهقر النتائج الدراسية والفشل المدرسي، العنف، العدوانية اتجاه الذات والغير. كما لا يجب أن ننسى أن التفكك الأسري قد يولد صعوبات اقتصادية من شأنها خلق إحساس بالتهديد وعدم الاستقرار لدى الطفل.، وعليه إذا لم تتم مجابهة هذه الوضعية في الوقت المناسب، يمكن أن نشهد ظهور الانحراف في مرحلة المراهقة تصحبها الكراهية للوالدين ورغبة في عقابهما كونهما -حسب منظوره- سبب الوضعية التي آل إليها، ولا نستبعد ظهور اضطرابات علائقية وسلوكية عندما يصبح المراهق راشدا بدوره. كيف يكون التعامل مع الطفل بعد طلاق والديه؟ في هذه الحالة، من الضروري تجنب الوالدين شيطنة الطرف الآخر وتجنب الإهانات المتبادلة والتشاجر أمام الطفل، أو حتى جعل من هذا الأخير حليفا ضد أحد والديه. ويمكن هنا للحضانة المشتركة – وهي إحدى الحلول التي وضعها المشرع لضمان استقرار الطفل- أن تحدّ نوعا ما من صدمة وانعكاسات الطلاق التي يعيشها الطفل. مهما يكن، من الضروري حفاظ الوالدين على إطار آمن ومستقر قدر المستطاع وكذا على دورهما واهتمامهما بطفلهما. ما هي في رأيك الحلول المقترحة؟ إن طريقة معايشة الطفل للتفكك الأسري مرهونة بطريقة تعامل الوالدين مع الوضعية ومع الطفل. للقيام بذلك، خاصة في الفترة التي تلي الانفصال، يستحسن التحاور مع الطفل وفتح له مجال التعبير عن مخاوفه وجعله يفهم أن والديه سيكونون موجودين دائمًا من أجله، حتى لو انهارت العلاقة الزوجية. لذلك، من الضروري توفير الأمان والعاطفة والحب وإثبات له أن علاقته بهما ستبقى مستمرة وثابتة. يمكن أيضا إلتماس مساعدة أخصائي نفسي أو طبيب عقلي لتسهيل تقبل الطفل للوضعية العائلية الجديدة تدريجيا وتقليل الأضرار عليه قدر المستطاع.

يرجى كتابة : تعليقك