تدخل المقاولاتية في إطار الديناميكية الجديدة للجزائر، التي ترتكز في مسارها الاقتصادي على الاستثمار في القدرات الشبابية، المؤسسات الناشئة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والتي يعتبرها الكثير من العارفين أحسن استثمار بالنظر لكونها تقدم حلولا جديدة و"قيمة مضافة" للمنظومة البيئية الاقتصادية في البلاد. ويتضمّن مفهوم المقاولاتية جميع الوظائف والأنشطة والأفعال المرتبطة بإدراك الفرص وإيجاد المنشآت التي تستثمر هذه الفرص، كما ينطبق كذلك ذات المفهوم على جميع المؤسسات بأنواعها وأحجامها، من المؤسسات الصغيرة المحلية إلى المؤسسات العالمية، كما يعرّفها المختصون على أنها فكرة تتحول إلى مشروع أو مؤسسة على أرض الواقع، يقوم بها المقاول الذي يعمل في مجال الفلاحة، الصناعة، الخدمات أو الحرف، يتميز بالريادة والقيادة والقدرة على الابداع والتغيير وتحمل المخاطر بأنواعها، ويعتبر هدفها الأساسي هو الربح المادي الناتج عن المنتوج "بيع، ايجار، شراء أو تسويق".
وتعتبر المقاولاتية أداة فعالة لمعالجة العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، خاصة مشكلة التشغيل ومحاربة البطالة، وذلك من خلال اعتمادها على إنشاء المؤسسات التي توفر مناصب شغل كثيرة، قادرة على المساهمة وبشكل فعال في تقليل نسب البطالة وذلك عن طريق خلق مناصب العمل، والتي يرتقب تزايدها من سنة إلى سنة أخرى ... لا بد من تحديد المفاهيم قبل الخوض في موضوع معيّن، خاصة إذا تعلّق الأمر بموضوع اقتصادي مثل المقاولاتية بالنظر إلى الخط الرفيع الموجود بينه وبين مفاهيم اقتصادية أخرى على غرار "المؤسسات الناشئة، رجال الأعمال، المقاولون ..." وغيرها من المفاهيم التي لديها قاسم مشترك يجمعها وتضل كلّها تحت مضلّة المشاريع الاقتصادية التي تعود كلّها بالفائدة على الاقتصاد المحلي والخزينة العمومية على حد سواء.
* قاطرة التنمية
وباعتبار أن مجال المقاولاتية أضحى اليوم بمثابة قاطرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد لما تكتسيه من أهميّة كبرى، كثيرا ما أشاد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بالمبادرات الخلاقة للشباب في مجال المقاولاتية، مؤكدا، أنها " تبعث على الاطمئنان على مستقبل الجزائر"، بشرط أن تكون هناك مرافقة وتكفل بالمقاولين خاصة الشباب منهم، قبل أن يضيف، أنّه وبفضل العديد من الإجراءات التي اتخذت خلال الثلاث سنوات الأخيرة في المجال ذاته لتحسين مناخ المقاولاتية و الابتكار فقد حسنت الجزائر بشكل كبير من ترتيبها على الصعيد القاري في مجال المؤسسات الناشئة، مسترسلا، أنه بهذا التحسن الذي يعكس التطور الاقتصادي الذي تعرفه الجزائر، فإن البلاد تتطلع الى ان تكون من "الرواد" دوليا في نشاط المؤسسات الناشئة والمبتكرة لما له من دور في خلق الثروة والدفع بتنمية الاقتصاد الوطني الى الأمام.
قانون المقاول الذاتي
وكان رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، قد وقّع على قانون المقاول الذاتي، والقانون المُتمم للأمر المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، تكريسا لحق الاستفادة من عطلة لإنشاء مؤسسة بالنسبة للموظفين أو المتعاقدين الإداريين، وأكد البيان الذي أصدرته وزارة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة للإعلان عن توقيع الرئيس تبون على هذين النصين القانونيين الجديدين، إن دخولهما حيز التنفيذ، من شأنه “تشجيع الكفاءات الجزائرية على خوض غمار المقاولاتية والمساهمة في التنمية الاقتصادية للبلاد”.
ومن بين أهم أهداف قانون المُقاول الذاتي الذي بادرت به الوزارة، ولاسيما تنظيم الأنشطة الاقتصادية الجديدة التي ظهرت مع بروز اقتصاد المعرفة والاقتصاد الرقمي، والتي لا تخضع لأي إطار قانوني إلى يومنا هذا، فضلا عن تحرير روح المُبادرة المقاولاتية وتسهيل ولوج الشباب إلى سوق العمل عن طريق التوظيف الذاتي، حتى يتم ضمان التغطية الاجتماعية لأكبر عدد ممكن من الأفراد الذين ينشطون في السوق الموازية وإدماجهم في القطاع الرسمي.
ومن جانب آخر، يمنح هذا القانون فرصة للشركات الناشئة لتخفيض أعبائها وتمكينها من الاستعانة بمتعاملين مستقلين، والاستغلال المشترك للموارد البشرية بين عديد الشركات، وعلى مستوى آخر، يعتبر قانون المُقاول الذاتي صيغة قانونية ملائمة من أجل تصدير بعض الخدمات الرقمية، مثل تطوير تطبيقات الويب والهاتف المحمول، والتسويق عبر الإنترنت، وإدارة منصات التواصل الاجتماعي والأنفوغرافيا، لاسيما في سياق اللوائح الجديدة التي أصدرها بنك الجزائر بخصوص الترخيص بتحويل كل عائدات تصدير الخدمات الرقمية من العملة الصعبة نحو الوطن.
كما يتضمن القانون شروطا للحصول على صفة المقاول الذاتي، مثل بلوغ سن العمل، الجنسية الجزائرية، والإقامة في الجزائر، وسيتم تأسيس سجل وطني للمقاول الذاتي، وإنشاء مؤسسة عمومية تتكفل بمسك السجل الوطني للمقاول الذاتي لاستصدار بطاقة المقاول الذاتي ومراقبة الأنشطة التي تندرج في إطار هذا القانون، إن هذا القانون الذي أثبت نجاعته في العديد من دول العالم من خلال تنظيمه للعديد من المهن والأنشطة المستجدة غير المهيكلة، سيتضمن امتيازات عديدة كمسك حسابات مبسطة، والإعفاء من القيد في السجل التجاري، زيادة على توفره لنظام ضريبي تفضيلي، وتوفير التغطية الاجتماعية، وإمكانية فتح حساب بنكي تجاري.
* إطلاق منصة رقمية
كما تمّ خلال الأسبوع الماضي، إطلاق أول منصة رقمية لتوفير مشاريع جاهزة، موجهة لكل فئات الشباب وحاملي المشاريع، بهدف تلبية حاجيات الاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل جديدة، وتم إطلاق هذه المنصة، المسماة "إعمل"، من قبل مؤسسة "ديار دزاير للتجارة الالكترونية والابتكار"، بحضور مديرتها العامة، نجاة غالمي، رئيس المجلس الأعلى للشباب، مصطفى حيداوي، بالإضافة إلى مدراء عامين لمؤسسات مصرفية وكذا ممثلي شركات عمومية وخاصة.
وأكد رئيس المجلس الأعلى للشباب، مصطفى حيداوي، أن هذا المشروع يأتي في إطار "الديناميكية الجديدة للجزائر التي ترتكز في مسارها الاقتصادي على الاستثمار في القدرات الشبابية، المؤسسات الناشئة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة"، والتي تعد حسبه "أحسن استثمار" نظرا لتقديمها لحلول جديدة وباعتبارها "قيمة مضافة" للمنظومة البيئية الاقتصادية في البلاد.
من جانبها، أكدت المديرة العامة لمؤسسة "ديار الدزاير"، نجاة غالمي، أن هذا الإجراء يأتي في إطار دعم المؤسسات الناشئة والأفكار الجديدة والطاقات الشبابية، كما يهدف إلى المساهمة في تطوير و تعميم الرقمنة عن طريق منصات رقمية مطورة 100 بالمائة من طرف شباب جزائري والتي تتماشى مع متطلبات السوق الجزائرية.