سوق الإشهار من الملفات الثقيلة التي ورثتها المجالس الشعبية البلدية بعاصمة الغرب الجزائري وهران عن العهدات الانتخابية السابقة، لما تحمله من اختلالات وخروقات وفوارق عديدة زادت من الفجوة اتساعا، وجعلت من السوق نشاطا يتخبط في مشاكل عديدة أقحمته في دائرة مخلفات التركة السوداء وقيّدته في الخانة "الموازية "، الخانة التي تحتاج للمزيد من الانضباط والترتيب لترقى إلى عتبة الجودة والنوعية والخدمات العالية للخروج من العتمة إلى الطريق الصحيح.
يبقى الإشهار لحد الآن ورغم اقتراب انتهاء العهدة الحالية بعيدا عن الضوابط القانونية وخارج أسوار العمليات التنظيمية المفروضة والمحددة للقطاع، لدرجة أنه لم يرق إلى يومنا هذا إلى مستوى التوازن الشرعي بين ما تقدمه المؤسسات الإشهارية من عروض وما يفرضه القانون من معايير متفق عليها مسبقا في نظام التعاقد الذي يجمع بين الإدارة والمتعامل و موثق بفارق فاضح بين كفتي الميزان يكشف العشوائية التي تغرق فيها السوق لسنوات طويلة قبل وبعد المجالس الانتخابية البلدية الحالية .
والأكيد هنا أن الفوضى التي تغرق فيها السوق تظهر جليا لكل مواطن وزائر يقصد المدينة ، كلما وقف عند زاوية أو شارع أو ساحة عمومية أو حي سكني أو طريق سريع والقائمة طويلة أمام تجاوز هذه الأخيرة الحدود الإقليمية الخاصة بكل مجلس بلدي على شكل لوحات تغيب فيها كل المقاييس الإشهارية . أمام هذه النقطة بالذات لا يحتاج المواطن لمعاينة دقيقة، أو معطيات خاصة يبني من خلالها تشخيصه للوضع ويسجل من ورائها نقائص القطاع ، بل يكفي التجول فقط بوسط المدينة، حتى تكتمل الرؤية ويتمكن المتجول من إعداد تشريح موضوعي عن الإشهار ترسم معالمه لوحات اشهارية لتظاهرات رياضية وثقافية مرعلى تنظيمها أكثر من سنة تتصدر الواجهات وتشوه الطرقات و تفقد لونها وعنوانها بفعل عامل الزمن . لم تتوقف "الجمهورية أونلاين" عند هذه المحطة التي أسالت الكثير من الحبر وجمعت حولها منتخبو المجالس أكثر من مرة ، بل امتدت خرجتها الميدانية لتضغط على الزر الصحيح الذي يكشف عشوائية الإشهار على امتداد مسافات طويلة وعلى أشكال ومواصفات متباينة جسدت وعُلّقت على الأعمدة الكهربائية وجدران الشوارع بلافتات مصنوعة من الورق وأخرى من الألمنيوم تبرز فيها عناوين الوكالات الصيدلانية والعيادات الطبية والمراكز التجارية والنشاطات الترفيهية وغيرها من المهن والحرف الحرة لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الزبائن دون أن يكلفها ذلك دفع سنتيم واحد مقابل هذه الخدمة.
والغريب في الأمر أن يحمل عمود كهربائي واحد أكثر من لافتة في اتجاهات مختلفة بصور وعناوين متباينة ، وقد ينتقي بالمقابل بعض المتعاملين هذا الخيار للإعلان عن انطلاق تظاهرتهم علنا وبعيدا عن المعاملات القانونية دون رقيب أو حسيب هروبا من المصاريف التي يفرضها الإشهار بحجة الفوضى التي تلازم السوق .
واستنادا للمعلومات المستقاة من بلدية وهران، فان العقود التي أبرمتها ذات الجهة سابقا مع 13 متعاملا لم تعد صالحة بعد انقضاء المهلة القانونية المحددة بـ 5 سنوات ، ولم يباشر المجلس منذ 2021 وهو تاريخ انتهاء آخر عقد رسمي في إطلاق الإجراءات الإدارية والقانونية التي ترخص النشاط وتسمح للطرف الثاني باستغلال هذه الفضاءات بشكل قانوني وبصفة عادية و تلغي كل الممارسات العشوائية وتسمح بتنظيم القطاع مجددا وتفتح في الوقت نفسه باب التحصيل للمجالس المنتخبة التي هي بحاجة لمداخيل إضافية تخرجها من عنق الزجاجة وتضمن لها مكاسب جديدة تشيّد عليها أرضية مشاريعها الاستثمارية .