باءت جميع محاولات تشتيت صفوف الشعب الجزائري فيما بينه من جهة وقطع رابط الشعب بدولته ومؤسساته ، وهذا بفضل تجدر وتمسك هذا الشعب بوحدته وعروبته واسلامه وأمازيغيته ، حيث جابه كل الظروف التي اختلقتها مختلف قوى الشر الداخلية والايادي الخفية الخارجية الساعية لتفريقه ، بدل أن تكون هذه الاحداث نقمة على هذا الشعب أسست ومثنت قاعدته وجعلته يلتحم أكثر فأكثر حول مكونات هويته ، الأمر الذي جعل منه مثال يقتدى به أمام جميع الدول في الوحدة والتماسك والسماحة ، ومن هذا الإشكالية توصلنا بالأستاذ كرايس الجيلالي من جامعة تيارت والذي سلط الضوء في الاسطر التالية اين تكمن قوة وحدة الجزائر شعبا ودولة ، قائلا :" يقول جاك رانسيير، في كتابه كراهية الديمقراطية: "إن منح الديمقراطية لشعب آخر لا يعني فحسب منحه منافع الدولة الدستورية، والانتخابات الحرة والصحافة الحرة، إذ يعني أيضا منحه الفوضى" أي أن القوى العظمى تتذرع بنشر الديمقراطية، وحماية حقوق الإنسان والدفاع عن الأقليات بهدف التدخل في شؤون الدول وزرع الفوضى، وتقسيم هذا الدول وخلق قواعد عسكرية فيها، ونحن نعيش ونتابع تداعيات الفوضة التي عرفها العالم العربي مطلع العشرية الثانية من القرن الحالي، وكيف عصفت بالمنقطة، لكن دائما نعود إلى النموذج الجزائري، والذي بقي عصيا على كل محاولات الاختراق، حيث كان الحراك السياسي في الجزائر شيء مختلف تماما عن كل ما حدث في المنقطة، وهذا يعود بالأساس إلى قيم الدولة والمواطنة التي نعرفها جيدا، وقيم المؤسسات، حيث أثبتت التجربة الجزائرية بأن خطاب الكراهية وخطاب الأقليات لا مكان له في الجزائر، فنحن مجتمع المواطنة، حيث السيادة للدولة وللقانون، وكل مؤسسة تخضع لروح المؤسسة وليس لروح القائد أو الزعيم أو الشخص مهما كان.
ومن جهة أخرى إن قيم الدولة العريقة التي تعرفها الجزائر جعلتنا نتفوق بكل سهولة على قيم الدولة العميقة، والجمعات الفئوية وكل الخطابات ذات المنازع التصادمية بين مكونات المجتمع الجزائري، التي تم تحييدها عن أي منافسة أو صراع سياسي، منذ دستور سنة 1996 وقد كرس له النص الدستوري الأخير وفصل فيه بشكل قاطع.
وهذا يعود بنا من جهة أخرى إلى قيم ثورة نوفمبر المجيدة، وكيف كانت الثورة ذات بعد وطني عام وشامل، وبعيد عن كل الممارسات القبلية والجهوية والمناطقية، فحتى قيادة الثورة كانت جماعية، وبيان أول نوفمبر عالج كل ما يتعلق بمرحلة ما بعد الاستقلال بناء على بعد وطني ومواطناتي وقانوني، وبلغة راقية ومدركة لحقيقة كل التحولات المحيطة بالجزائر آن ذاك، حيث كانت مرجعية الدولة الجزائرية بعيدة كل البعد عن التوجهات القوميات الاقصائية، والعرقيات، والصرعات المذهبية الدينية، وهذا ما أصل لمفهوم الدولة الحديثة، التي يظهر فيها المواطن جليا واضحا، وتتراجع كل الخطابات التي تنتمي إلى ما قبل الدولة، وإلى الحالة الطبيعة التي تحدث عنها فلاسفة العقد الاجتماعي.
الجزائر اليوم دولة للحريات، لكن دون المساس بسيادة القانون والدولة، فكل الحريات مضمونة، بما فيها حرية المعتقد وحرية التعبير عن الانتماء الثقافي، لكن سياسيا ورسميا هناك دولة واحدة والمواطن هو السيد فيها، ولا مجال لأي مساومات، وهذا الخطاب لا يعني الجانب الرسمي فقط، بل هو خطاب ينتجه المواطن ويعيد إنتاجه، في كل أزمة تشهدها البلاد، إذ نجد أن قيم المواطنة والانتماء إلى الدولة تتفوق على كل القيم الأخرى، التي انحصرت بشكل كبير، ولم تعد مقبولة من طرف أي جهة، وهذا ما أدى بالجزائر إلى تجاوز الكثير من الصعوبات والخروج من كل الأزمات بمزيد من القوة والتماسك الاجتماعي، والاندماج الهوياتي، ومزيد من التعزيز لمكونات الهوية الوطنية، من إسلام وعروبة وامازيغية، قد كرس لهم الدستور وأغلق باب المزايدة حولهم.
وعلينا أن لا ننسى السياسة الخارجية للجزائر ودبلوماسيتها التي فرضت على الجميع احترام هذه الدولة، وعدم إيجاد أي وسوغ للتدخل فيها أو محاولة إحراجها قانونيا، فالجزائر اليوم مرحب بها في مختلف الهيئات الدولية والإقليمية التي تعنى بحقوق الإنسان، وهذا دليل على أن الجزائر دولة رائدة في هذا المجال، بحكم التجربة والخبرة التي تحولت إلى تقاليد راسخة تحكم المجتمع الجزائري وتحكم مؤسساته، إذ يمكن القول: بأن فشل كل محاولات احراج الجزائر من ناحية حقوق الأقليات هو بسبب وجود مؤسسات قوية ووجود شعب منسجم ثقافيا وفي كل مناسبة دينية أو وطنية يعكس روح هذه الأمة وعمق اندماج مكونتها الهوياتية في نموذج ثقافي يعكس ذلك الإسلام الوسطي السمح، والعمق العربي الصريح، والثقافة الأمازيغية التي ليست محصورة في جهة معينة، بل ثقافيا نحن جميعا نعكس ذلك الهوى الأمازيغي في عاداتنا وتقاليدنا وموروثنا المادي واللامادي، وهذا يعني أن الجزائر والشعب الجزائري بعيدان كل البعد عن خطاب الأقليات المقيت.
فالشعب الجزائري اليوم قد انفتح على التنمية وعلى النهوض بالاقتصاد، والتوجه نحو مجتمع الرفاه، ولذلك هو غير مستعد للتعاطي مع الخطابات المريضة، وهي تشكل انتكاسة لمفهوم الدولة الحديثة، والمواطنة، وقيم التعاون والشراكة، وقيم دولة المؤسسات، ودولة الحق والواجب، التي يجري تعزيزها عن طريق جملة من الاصلاحات السياسية، والاجتماعية والمؤسساتية، وهي تهدف إلى هيكلة وتكريس كل ما يؤدي إلى تعزيز قيم المواطنة، لا سيما المجتمع المدني الذي كلما تكرس كلما ابتعدنا عن خطابات الكراهية والعنف، أي أن الشعب الجزائري يعيش حالة من الوعي ستجعل كل محاولات الاختراق تلقى فشلا ذريعا، فدولة المؤسسات ودولة التوافق والشراكة، لا يمكن اختراقها من طرف أي جهة مهما كانت، فنحن نراقب ما حدث للعديد من الدول من حولنا، ولن نسمح لا كدولة ولا كحكومة ولا كشعب أن يتم جرنا إلى مستنقع الصرعات الهوياتية المقيتة.
