انتظمت يوم الخميس بدار الثقافة محمد اسياخم بغليزان ندوة تاريخية من تنظيم جمعية ما بين الولايات لحماية الثرات والمحافظة على التاريخ المحلي للغرب الجزائري، بإشراف من قطاع الثقافة، حول كتاب "تاريخ الثورة الجزائرية بمنطقتي الظهرة و مستغانم 1954-1962" للأستاذ الدكتور بليل محمد من جامعة تيارت، وقد قدم هذا الأخير كتابه من خلال شهادات الفاعلين وتحليل الوثائق الأرشيفية ومعاينات ميدانية لآثار الجريمة الاستعمارية، محاولا إبراز البدايات الأولى للثورة باندلاعها بشكل ناجح ضمن القطر الوطني ومنطقة الظهرة باعتبارها جزءا عزيزا من الغرب الوهراني ومستغانم، وتناول الكاتب مراحل مختلفة من تاريخ الثورة الجزائرية في منطقتي الظهرة ومستغانم، بدءا من الاندلاع الأولي ومرورا بالمعارك الحاسمة وانتهاء بالمواجهة النفسية والإنسانية، وقد استعرض الكاتب بعض الحقائق والأحداث التي تثبت دور هذه المنطقتين في صناعة التاريخ الوطني والمقاومة الشعبية،و أوضح البروفيسور "بليل" أن منطقتي الظهرة ومستغانم كانتا من بين أولى المناطق التي اندلعت فيها الثورة الجزائرية في الأول من نوفمبر 1954، وذلك بفضل التنسيق والتخطيط الذي قام به القادة الوطنيون والمجاهدون المحليون، وقد نجحت العمليات العسكرية في هذه المنطقتين في إحداث صدمة في صفوف الاستعمار الفرنسي وإظهار قوة وعزيمة الشعب الجزائري، وقد ذكر الكاتب بعض الأسماء البارزة التي شاركت في هذا الاندلاع، مثل الشهيد محمد الجبلي،و تطرق الكاتب إلى آبرز المعارك التي خاضها المجاهدون في منطقتي الظهرة ومستغانم ضد الاحتلال الفرنسي، والتي كانت مصدر إلهام وفخر للجزائريين ،ومن بين هذه المعارك، ذكر الكاتب معركة قشاقش سي زقاي التي قادها الشهيد محمد الجبلي والتي كانت أول معركة حقيقية بين الجيش الجزائري والجيش الفرنسي، كما ذكر الكاتب معركة "جبل السيخ" التي استخدم فيها الاستعمار الفرنسي السلاح الكيماوي ضد المجاهدين، والتي أظهرت مدى وحشية وقسوة الاستعمار ومدى شجاعة وتضحية المجاهدين، وأضاف الكاتب أن هناك العديد من المعارك الأخرى التي تواجدت بها منطقتي الظهرة ومستغانم، والتي تستحق التوثيق والاحترام، كما تناول الكاتب كيف استطاع الجزائريون مواجهة الحرب النفسية التي شنها الاستعمار الفرنسي على منطقتي الظهرة ومستغانم، والتي كانت تهدف إلى كسر إرادة الشعب وتشويه صورة الثورة، وقد أشار الكاتب إلى بعض الأساليب والوسائل التي استخدمها الاستعمار، مثل التعذيب والتهجير والحصار والتشويش والتجسس والتشويه، وقد أكد الكاتب أن الجزائريين تمكنوا من مقاومة هذه الحرب بالصبر والثبات والإيمان والتضامن ، وقد ذكر الكاتب بعض الأمثلة على ذلك، مثل دور المرأة الجزائرية في الثورة ودورها الإنساني الصحي والاجتماعي. وفي هامش الندوة، تحدث الدكتور بصديق عبد الكريم، أستاذ التاريخ بجامعة تيارت، عن رأيه في الكتاب والمؤلف، معتبرا إياهما بإضافة نوعية وأكاديمية لإثراء المكتبة التاريخية الجزائرية، وقال الدكتور بصديق إن الكتاب يعتمد على منهجية علمية وموضوعية في استقراء الوثائق التاريخية والمعاينات الإحصائية لعين الجريمة، مما يجعله مرجعا هاما للباحثين والمهتمين بتاريخ الثورة الجزائرية، وأضاف الدكتور بصديق أن الكتاب يسلط الضوء على مناطق ومعارك وشخصيات وشهداء مجهولين أو مهمشين في التاريخ الرسمي، مما يمثل حافزا للكتاب الشبان الدكاترة لكتابة التاريخ الوطني في منطقة الظهرة بالغرب الجزائري، وختم الدكتور بصديق قائلا: "ما أحوجنا إلى كتابات تاريخية لتاريخ المنطقة، خاصة في مناطق مجهولة، معارك وشخصيات مجاهدين وشهداء لم نستطع إحصائهم إلى حد اليوم. هذا النوع من الكتابات هو لتعريف الجزائري بنضاله الوطني خلال الثورة الجزائرية، منوها بذات الوقت بأهمية هذا النوع من المؤلفات في استقراء الوثائق التاريخية والمعاينات الاحصائية لعين الجريمة، مؤكدا في الختام على أهمية الكتابة التاريخية وهو ما كشفه البروفيسور بليل في كتابه من خلال تسجيله لشهادات حية وعلى الجيل الحالي أن يوثقها ويجعلها كمنهج شفهي للكتابة." الجدير بالذكر أن رئيس جمعية ما بين الولايات لحماية الثراث في الغرب الجزائري "صافي مجذوب " في تصريح مقتضب للجريدة أكد فيه اعتزام الجمعية إطلاق برنامج خاص في عقد مثل هذه الندوات التي تتضمن قراءات في مؤلفات تاريخية كل اسبوع بدار الثقافة اسياخم محمد.