استذكر أمس سكان وهران في قلب الحي العتيق "المدينة الجديدة " والأحياء المجاورة الذين كانوا شهود عيان على مجزرة الطحطاحة من خلال تفجير سيارتين مفخختين، هذا الاعتداء الوحشي الذي ارتكبته منظمة الجيش السري الفرنسي واستشهد على إثره العديد من الجزائريين من خلال هذا العمل الإجرامي .
تجمع مجاهدون وأبناء الشهداء و اطارات مديرية المجاهدين و ذوي الحقوق وممثلو المجتمع المدني وكذا السلطات المحلية و الولائية أمام النصب التذكاري المشيد بموقع هذا الاعتداء الإجرامي حيث تميزت الذكرى بوضع إكليل من الزهور والاستماع للنشيد الوطني وتلاوة فاتحة الكتاب ترحما على أرواح ضحايا .
وقدم الدكتور محمد بلحاج محاضرة حول هذه الذكرى الأليمة في تاريخ وهران حيث قامت المنظمة السرية الفرنسية بتفجير سيارتين مفخختين تحملان أكثر من قنطار من المتفجرات في حدود الساعة الرابعة مساءا إحداهما بساحة الطحطاحة والأخرى أمام محل السيد بولحية بائع الحلويات الشرقية الذي كان مكتظا بالزبائن آنذاك وتسبب ذلك في وقوع مجزرة حقيقية راح ضحيتها أكثر من 80 شهيدا ومئات الجرحى منهم 105 كانوا أنداك في حالة صحية حرجة، وأبرز جريمتها التي ارتكبتها منظمة الجيش السري الإجرامية التي كانت متمركزة جيدا بوهران أحد أبشع الاعتداءات بغرب البلاد الذي حدث قبل أسابيع فقط عن الإعلان عن وقف إطلاق النار تمهيدا لإعلان الاستقلال.
تطرق بلحاج إلى التنظيم المسلح الذي شكّله بعض المدنيين الأوربيين من الذين تورّطوا في أعمال إرهابية خارج الإطار الرسمي للقوات الاستعمارية، التي كانت تستهدف أساسا النخبة الجزائرية من الأعلام والشخصيات الفذّة، و من الأبرياء العزل حيث سلط الضوء على الكارثة الكبرى والجريمة المنكرة التي حدثت والتي لا يمكن أن تتسقط بالتقادم، عن طريق الأرض المحروقة و الانتقام الجبان من كل هو جزائري، فلقد استهدفت منظمة الجيش السري هذا الحي العتيق المسلم بالامتياز و الذي كان المجرمون يعلمون أن الأوروبين لا يترددون عليه و أن الجزائريين هم سهل المنالو عاثت منظمة الجيش السري (OAS)فسادا في شوارع وهران بالقتل العشوائي و تحولت بعض المدن الجزائرية و منها وهران إلى حمام دم.
إن حي المدينة الجديدة يضيف الأستاذ بلحاج في كلمته هو قلعة الجهاد والنضال و مشتلة الوطنيين والمجاهدين والشهداء، إن حي المدينة الجديدة هو رمز الشخصية الجزائرية المحافظة، وهو أيضا ملتقى الأحزاب المناضلة لتحرير الجزائر بدء من نجم إفريقيا مرور بحزب الشعب و حركة الانتصار للحريات و انتهاء بجبهة التحرير الوطني .
إن المدينة الجديدة هي مهد الإصلاح بمدرسة الفلاح و مقر الزوايا المحافظة على العربية و القرآن الكريم وهي أيضا المهاجي و الزموشي و سي بوبكر التيجاني وبوتليليس و بلقاسم زدور ابراهيم و زبانة و شرفاوي و قائمة طويلة من الشهداء و المجاهدين .
ومن بين الأسباب التي ساقها بلحاج بخصوص اختيار حي الطحطاحة لتنفيذ أكبر عملية تفجير بتاريخ الجزائر، أنّه يمثّل منبعا للهويّة الجزائرية ومكوّنات الموروث الثقافي المادي واللامادي، ولاسيما في ظل ترّبعه على عديد الزوايا ومساجد الفلاح. ناهيك عن ريادته في النضال الوطني التحرري من خلال احتضانه لعديد المنظمات والأحزاب السياسية الهامة.
جمعية المقاومين و ذوي الحقوق وهران تحيي الحدث
لتتواصل التظاهرة الخاصة بالذكرى الـ 60 بمقر جمعية المقاومين و ذوي الحقوق بالتنسيق مع مديرية المجاهدين و ذوي الحقوق و الأمانة الولائية للمنظمة الوطنية للمجاهدين والأمانة الولائية لمنظمة الوطنية لأبناء المجاهدين لولاية وهران، حيث نظمت ندوة تاريخية نشطها الباحث و الدكتور صادق بن قادة الذي كان شاهد عيان عن المأساة و عمره الـ 14 عاما آنذاك ، مما جعله يجري بحثا مطولا حول هذا الملف، وبعد إطلاعه على سجلات الحالة المدنية لضحايا 28 فيفري 1962 وخلص إلى أنّ نحو 81 شخصا من الشهداء، وردت أسماءهم في القوائم وآخرين مجهولين. وذكر أن كل ما وقع بدقّة في يوم الأربعاء 28 فبراير 1962 قبيل ساعات من الإفطار في اليوم 23 من شهر رمضان و بالضبط على الساعة 3.45 سا، حيث كانت ساحة الطحطاحة مكتظّة بالسكان لاقتناء مستلزماتهم، قبل سماع ذوي الانفجار بالقرب من متجر بيع الزلابية، حينما وقع انفجاران بواسطة سيارتين مفخّختين، ممّا أدّى إلى سقوط أكثر من 80 ضحية وإصابة المئات بجروح.
وفي سياق متّصل، تحدّث نفس المصدر عن صور بشعة ومؤلمة لموتى تناثرت جثثهم المتفحّمة في كل مكان، بعضها التصق في الجدران، مشيرا في الوقت نفسه إلى مظاهر التضامن والتكافل بين أبناء الوطن الواحد رجالا ونساءً من مختلف الفئات العمرية لمساعدة الجرحى وتغطية الجثث المتفحّمة، وتجميع أشلاء الضّحايا التي تناثرت في كل مكان وبعضها التصق في الجدران.
كانت هذه العملية انتقامية ردا تفجير سيارة من قبل الجزائريين في 28 فيفري 1961 و حرقت ومات من كانوا فيها وكانوا من أصل إغريقي تدعى عائلة كليكوس، وكان أحد أفراد الأسرة من قيادي منظمة الجيش السري (OAS)و كان صاحب فندق "كافيريش" (تيمقاد حاليا )، ليتعاون مع المجرم كلود ميشليتي و سونشو المدعو خيطانو على تنفيذ هذه المجزرة البشعة في 28 فيفري 1962 انتقاما من الشعب الجزائري الأعزل بحي الطحطاحة بالمدينة الجديدة .
ليضيف الصادق بن قادة أن جرائم المستعمرين الفرنسيين بالجزائر لم يسلم منها أحد، حتى إنهم أقدموا يوم 2 ماي 1962 على تفجير سيارة مفخخة أمام مركز توظيف عمال الموانئ ، و التفجير خلف سقوط 62 شهيدا من العمال والمواطنين الجزائريين وإصابة أكثر من 250 أغلبهم من الشباب الذين جاؤوا للمطالبة بمنصب شغل في الميناء بجروح متفاوتة الخطورة. وتزامن هذا التفجير وأعمال إجرامية أخرى مع إعلان وقف إطلاق النار رسميا بين الجزائر وفرنسا في 18 من مارس 1962.
وقال أيضا إنّه بهذه الجريمة الشّنيعة تكون منظمة الجيش السري قد ارتكبت أحد أبشع اعتداءاتها بمدينة وهران، وتعتبر كآخر فعل ميؤوس منه لمتطرّفين، في محاولتهم لوقف مسار تاريخي لا رجعة فيه أسفر في الأخير عن استرجاع السيادة الوطنية يوم 5 جويلية 1962 بعد تضحيات جسام للشعب الجزائري، و ذكر قائمة بعض الشهداء الأبرياء الذين سقطوا في هذه المجزرة التي أكثرهم سجلوا تحت دائرة " x " لعدم معرفة هويتهم ، وحسب أرشيف المصلحة الجنائزية ببلدية وهرا قد وجد أسماء الشهداء ومنهم شباح صالح ، شباح أحمد، محمد بن حدو، كريم عبد القادر داودي محمد، عرومية عبد الكريم، إبراهيمي البشير، المخفي أحمد، وقائمة طويلة و منهم أطفال صغار على سبيل المثال الطفلة خدوجة ذات 11 عاما و تم التعرف عليها من خلال يدها المقطوعة التي كانت تحمل خاتم في إصبعها الصغير من صنع والدها الجواهري مع العلم أنه تم جمع أشلاء الشهداء الأبرياء بمسجد الطيب المهاجي .
مشروع فيلم وثائقي حول المجزرة من إخراج محمد حويدق
من جهة أخرى تحدث المجاهد النّاير قدور أحد المحكومين عليه بالإعدام إبّان الثورة التحريرية في شهادته، أنّ مجازر "الطحطاحة" التي اقترفها أعضاء منظّمة الجيش السري الفرنسي منذ 60 سنة، تؤرّخ لإحدى أبشع مجازر الاستعمار في الجزائر التي راح ضحيتها زهاء 100 قتيل ومئات الجرحى، وذكر أنه كان آنذاك في سجن وهران الذي يبعد عن الطحطاحة بـ 500 متر وكل السجناء سمعوا دوي التفجير مما خلق تمرد في السجن و حاول السجناء الخروج لكن لم يستطيعوا أمام الآلة الجهنمية للاستعمار، وتذكر رفقائه الشهداء منهم أحمد زبانة و علي شريط الشريف اللذان كانا قدوة للشجاعة أمام جلاديهما .
وعلى هامش هذه الندوة التاريخية، عرض المخرج محمد حويذق الخطوط العريضة لمشروعه الخاص بإنجاز فيلم وثائقي حول مجزرة الطحطاحة، والعمل من إنتاج أمينة لوكيل و كاتب السيناريو الدكتور أحمد بلغالية ليؤكد في تدخله أن هذا الوثائقي سيؤرخ لهذا التاريخي الهام، منوه بهذا اليوم المأسوي الذي لا يمحى من ذاكرة الجزائريّين، قائلا أنه يشعر دوما بالفخر والشّموخ حينما ينظر لهذه البقعة البطولية بقعة الإيمان والإخلاص في تاريخ مدينة وهران، مبرزا أنّ تفجيرات الطحطاحة هي أوّل جريمة بسيارة مفخّخة في تاريخ الثورة الجزائرية من إمضاء منظمة الجيش السري الفرنسي وكانت مذبحة "الطحطاحة" الشهيرة التي وبقدر ما كانت نقمة، زادت الشعب الجزائري إيمانا وقوة لانتزاع حرية الوطن من براثن الاحتلال الفرنسي، وقد حضر معه عدة وجوه فنية ستشارك أيضا في هذا المشروع .