"في التأني السلامة وفي العجلة الندامة"

"في التأني السلامة وفي العجلة الندامة"
مجتمع
و هو مثل مشهور على ألسنة العرب و حتى العجم بعبارات مشابهة و متقاربة و معناه العام بأن الانسان المتأني أبعد ما يكون عن الخطأ و الزلل و الخطر، عكس الانسان المتعجل الذي قد تتسبب عجلته بالضرر له و لغيره. فالناس مختلفون في طباعهم و سلوكاتهم ، منهم المفكر قبل التصرف و الكلام، و منهم المتصرف و المتكلم قبل التفكير، و شتان بين النوعين في الحياة و الأحداث. الصنف الأول محبوب سهل العشرة و المعاملة ، اما الصنف الثاني فصعب المراس صعب العشرة كثير الإحراج.. التأني يدل على رجاحة العقل و إعمال الفكر في الأمور قبل الحكم عليها و في المواقف و الأحداث و عدم التسرع في الرد و الجواب، احتراما للنفس و حفاظا على الود و تفاديا للزلل و الخلل. أما التسرع فينبع عادة عن ثقة زائدة في النفس و عدم إعطاء القيمة و التقدير الكافي للغير و عدم التحفظ عن ما يمكن أن يجرح المشاعر ، كما انه أيضا مؤشر على ضعف التفكير في الاحتمالات السلبية الممكن حدوثها و الخسائر المتوقعة. مثلا في السياقة: إن التهور و التسرع في قيادة المركبات يتسبب في الكثير من الحوادث و المجازر المرورية ،يذهب ضحيتها في الجزائر أكثر من أربعة آلاف قتيل كل عام بالإضافة إلى الآلاف من الجرحى و المصابين و المعاقين و المشوهين ..فضلا عن الخسائر المادية المعتبرة. و تشير الإحصاءات إلى أن أعلى نسبة من هذه الحوادث سببها هو العامل البشري، و نسبة قليلة فقط تعود لنوعية الطريق و الأحوال الجوية و حالة المركبة ..ذلك ان التهور و التسابق و الرغبة في ربح الوقت او ربح مال أكثر ..يجعل الطريق حلبة للسباق و مكانا للصراع و استعراض المهارات و اقتحام المغامرات ما يؤدي إلى التهلكة. في البيع والشراء : يساعد التأني على تفادي الوقوع ضحية الغش و النصب و الإسراف والتبذير و الندم خصوصا في هذا الوقت الذي قل فيه الورع و الضمير و حل مكانه الرغبة في الثراء باي شكل و بأي ثمن و لو ببيع ما لا يصلح . فعلى المستهلك ان يتأكد من جودة المنتج و سلامته و قابليته للاستهلاك و عدم الاغترار بالثمن الزهيد أو الاشهار الكبير. في الزواج والطلاق: يساعد التأني على تفادي المشاكل الأسرية والعائلية الكثيرة التي تنشأ من سوء الاختيار وعدم التأكد جيدا من حقيقة المعلومات التي يقدمها الناس عن أنفسهم ومؤهلاتهم و ممتلكاتهم.. و عن الغير و عن أسباب الخلافات.. فلا يجب الاغترار بالجمال أو الوسامة أو الشهادة أو الحسب أو النسب أو المال أو التدين الظاهري أو السيارة أو المسكن.. بل الاعتناء أكثر بالأخلاق و سيرة الأسرة و سمعتها و التركيز على القيم و النظرة للحياة و العلاقات و للتربية. التأني في اتخاذ القرارات الهامة والمصيرية: مثل ابرام الشراكات أو الانتقال لسكن جديد أو وظيفة جديدة... لأن بعض القرارات قد تؤدي إلى الإفلاس أو انهيار المشاريع أو نشوب خلافات كبيرة و الندم بعد فوات الأوان، كاكتشاف أن الشريك غير أهل للثقة أو غير كفء، أو أن السكن به عيوب كبيرة أو جورة سيئة جدا يستحيل معها راحة البال، أو أجواء الوظيفة غير مناسبة للشخص سواء من حيث محيط العمل أو ظروفه.. التأني في نشر المعلومات والمنشورات التي كثير مها أكاذيب و إشاعات سواء مما نسمعه من الأشخاص أو مما بات منتشرا عبر وسائل الإعلام و وسائط التواصل الاجتماعي المليئة بالزيف و محبي الشهرة و الإثارة و صائدوا الحمقى و الباحثون عن الإعجابات و نسبة المشاهدة أو الراغبون في الإيذاء و التشهير، فيصير المتسرع مشاركا في الجريمة الالكترونية او في نشر الأكاذيب و يصبح بوقا للغير. و كما جاء في الحديث " كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع" يعني من كان محدثا بكل ما يبلغه من كلام فهو حتما سيجد نفسه ينقل أكاذيب لأن كلام الناس لا يخلو من ذلك إما بقصد او بغير قصد. و هكذا تنتصر الأناة على العجلة في الفضل و الخير، فعلى الانسان العاقل أن يضبط نفسه و يدربها على عدم التسرع في الأمور إلا في حال كان الموضوع خيرا محضا خالصا ليس فيه أي احتمال للخطأ و المضرة، فهنا يسارع الانسان و لا يبالي، مثل المبادرة في فعل الخير و الصدقة و الإصلاح بين الناس و نجدة المحتاج و الاستعجال بالتوبة قبل الموت و المسابقة في أعمال البر التي لا تحصى و لا تعد...و شعاره في ذلك قول الله تعالى: (و سارعوا إلى مغفرة من ربكم و جنة عرضها السماوات و الأرض أعدت للمتقين) آل عمران 133 وفقنا الله و إياكم لما فيه الخير و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته .

يرجى كتابة : تعليقك