أبانت الجزائر مرة أخرى على المستوى الرفيع الذي تتسم به دبلوماسيتها التي يعترف لها بها العالم، سواء فيما يتعلق بحنكتها أثناء الجلوس إلى طاولات المفاوضات مع أعتى الدول، أو في جانبها الإنساني عندما تهب من أجل إنقاذ الأرواح البريئة على مستوى المنتظم الدولي، بمشاركتها في مختلف المبادرات، وإمداد الدول الصديقة والشقيقة بالعتاد اللوجستيكي والبشري، كما كان الشأن مع مالي والنيجر في الأشهر الماضية، وحتى في مجال الحكامة أين ساعدت عدة دول في تخطي أزماتها والتغلب عليها، ولم تبخل بتقديم تجربتها في محاربة ظاهرة الإرهاب لكل من طلبها حتى لدول الغرب، بل تعاونت معهم في هذا المجال.
وإن كان هذا دأب الجزائر عندما يتعلق الأمر بأشخاص ودول أخرى، ومع ذلك لم يقدم بلد المليون ونصف المليون شهيد على التخلي عنهم في أزماتهم، فما هو الحال عندما يتعلق الأمر بجزائريين من صلب هذا البلد... أحفاد الأمير عبد القادر ولالة فاطمة نسومر، يوجدون تحت خط الخطر عبر أصقاع العالم، كما هو الحال هذه الأيام مع أبناء هذا الوطن العالقين في دار الحرب بدولة أوكرانيا الواقعة تحت القصف الروسي منذ عدة أيام، والذي لم يهدأ بال المسؤولين ببلادنا وعلى رأسهم رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون حتى تم إيجاد مخرج لأوضاعهم المزرية، وهو ما لم يكن بالأمر السهل تحقيقه، ومع ذلك نجحت الجزائر في مسعاها، وهذا طبعا بتحركات حثيثة قام بها رئيس دبلوماسيتنا السيد رمطان لعمامرة، من أجل إجلاء العالقين على حدود هذه الدولة، وجسّدته واقعا وفعلا أول أمس الخميس، بوصول أولى الرحلات، وبها 76 رعية جزائرية عبر رحلة خاصة للخطوط الجوية الجزائرية، إنطلاقا من العاصمة الرومانية بوخاريست، لمن فضلوا العودة إلى حضن الوطن الأم إلى أن تحط الحرب أوزارها، في حين ينتظر أن تصل أربع (4) رحلات أخرى مبرمجة للأشخاص الراغبين في ذلك لاحقا، كما صرّح بهذا وزير الخارجية والجالية الوطنية بالخارج السيد رمطان لعمامرة، الذي أكد بأن مصالح السفارة الجزائرية مجندة على مستوى الحدود مع أوكرانيا لتسهيل عبور أعضاء جاليتنا نحو رومانيا والمجر وبولونيا، مع إحترام رغبتهم في ذلك، مضيفا أن أبواب السفارة تبقى مفتوحة أمام كل من يريد العودة.
مشيدا في ذات الوقت بما قامت به عائلات جزائرية قريبة من حدود دولة أوكرانيا، حيث مثلت هذه الأسر بلادها خير تمثيل بتكفلها بهؤلاء العالقين، في صورة إنسانية متكاملة بين الدولة الجزائرية وشعبها في قاسم مشترك، يتسم بطيبة القلب والتعاطف مع الغير، فكلاهما يتسابق نحو الخير لإغاثة البشرية حتى لو تعلق الأمر بمن يضمرون لهم الشر، لأنهم وقت الأزمات تتغلب عليهم إنسانيتهم أكثر من أي شيء آخر.
كما أنّ هذا التصرف النبيل من دولة إزاء شعبها ليس الأول من نوعه، بل كانت الجزائر قبل هذا سباقة إلى إجلاء الجزائريين العالقين بمختلف مطارات العالم في بداية إنتشار وباء كوفيد 19، حيث برمجت حينها عدة رحلات لإعادتهم إلى أرض الوطن، رغم حالة الهلع والترقب التي كان عليها العالم الذي كان يجهل مآلات الفيروس المعدي وانتشاره السريع بين الأشخاص، وخصّصت حينها مناطق إيواء وإطعام لهم ولعائلاتهم في فنادق فخمة طيلة فترة الحجر، التي كانت تصل حينها إلى 14 يوما، مع التكفل الطبي بالمصابين وذويهم إلى حين شفائهم دون أن يصرفوا فلسا واحدا، في الوقت الذي تخلت فيه دول تعتبر نفسها متقدمة عن رعاياها خوفا من إنتقال العدوى إليهم، دون أن ننسى ماقامت به بلادنا من مساعي لتكون مع أوائل الدول الموفرة للقاح الكوفيد لشعبها ولأشقاء من دول الجوار وعلى رأسهم تونس.