تحتفي الجزائر الأربعاء بالذكرى 64 لاستشهاد رائد الأغنية الوطنية وصوت الثورة التحريرية الفنان علي معاشي، البطل الذي كان يشحذ الهمم ويقوي العزائم من خلال الرسالة التي كان يحرص على توصيلها إبان الثورة التحريرية، فآثر بنفسه وقدم روحه فداء لوطنه بعد أن استشهد على أيدي المستعمر الغاشم في 8 جوان سنة 1958 .
وعلي معاشي، كان واحدا من أبناء الجزائر الأبرار الذين آمنوا برسالة التحرر باستخدام القلم واللحن، فلقد ولد في 12 أوت 1927 بولاية تيارت، تألم لمعاناة شعبه من بطش الاستعمار الفرنسي، فلقد ضحى بمساره الفني من أجل الوطن لإسماع صوت الثورة التحريرية، وكتب عنه الباحث و الصحفي عمار خوجة في مؤلف كرمه من خلاله وأطلق عليه بـ " النشيد المغتال ".
حسب المعلومات التي استقيناها من طرف مصالح مديرية المجاهدين بوهران، كان علي معاشي من بين القلة القليلة من الجزائريين الذين كان لهم الحظ في الذهاب إلى المدرسة في فترة لم يكن فيها إلا مدرسة واحدة تسمى مدرسة الأهالي، وفي دورة جوان 1941 تحصّل على شهادة الدراسات الابتدائية.
أكد محمد بودين رئيس جمعية " تواصل الأجيال لأبناء الأسرة الثورية بوهران، أن الجزائر تحتفي بعيد الفنان اليوم من خلال تمجيد الشهيد علي معاشي الذي كان من الوجوه البارزة أثناء الثورة التحريرية، و فرقة "سفير الطرب" خدمت أهداف الثورة التحريرية
مبرزا أن علي معاشي كان مثابرا وقويا، فسمحت له هذه الاستعدادات بتسيير فعّال للمصالح العائلية بعد وفاة أبيه ورغم ذلك فإن معاشي ليست له الروح الفلاحية وهو شاب يميل إلى المغامرة والتعطّش إلى الاكتشاف، جلبه البحر أكثر من الأرض ولكي يكتشفه أحسن جعل نفسه بحارا وهو صغير وبعد الخدمة العسكرية الاجبارية، رجع إلى مسقط رأسه. تزوج في سنّ 25 سنة من قريبة له، وتنقل المغني الشهير أحمد خليفة من مدينة الجزائر لإحياء عرسه، لكن بعد مدة تشاجرا أبناء العمومة وأثر على الزوجين اللذين تطلقا ولم يكن له الحظ في ترك وريث بعده، فالولد الوحيد الناتج عن زواجه مات بعد شهرين من ولادته.
بدأ الشهيد علي معاشي حياته الفنية في سنة 1953 بتونس حيث أسس فرقةً موسيقية بإسم "سفير الطرب" ، طاف بها بعدة مناطق من تيارت مسقط رأسه وعبر بعض البلدان العربية كتونس ومصر، رغم سنه الذي لم يتجاوز الـ 18 سنة، وتطور فنه وأوجد لنفسه بصمته الخاصة من خلال دمج النغمة الوهرانية الأصيلة التي وافقت صوته العذب، ألّف ولحّن وتغنى بقصائد متنوعة بين الغزلية والثورية فتغنى بالمرأة وبالجزائر ومناطقها، فاشتهر بأغان كثيرة مثل "يا بابور" أولى أغانيه، "تحت سماء الجزائر"، و"طريق وهران"، و"النجمة والهلال"، وهي أغنيات تندرج في نوعها ضمن الأُغنية الوهرانية، مع ميلٍ واضحٍ إلى اللحن الشرقي من دون طمس روحها المحلية.
عند اندلاع الثورة التحريرية عام 1954، لم يتردّد في دعمها بكلماته وألحانه وصوته، حتى بات بمثابة ذراع فنّي لها، واشتهر بأغنيته " أنغام الجزائر" التي ألفها في سنة 1956، ينتقلُ فيها بين مختلف مناطق الجزائر بألحانٍ تُمثل كل منطقة، وهي الأغنيةُ التي ستُصبح أكثر أعماله شهرةً ، وتتحوّل إلى ما يُشبه النشيد غير الرسمي للبلاد، والمعروفة بمطلعها "يا ناس أما هو حبي الأكبر... يا ناس أما هو الأكبر لو تسألوني نفرح ونبشر… ونقول بلادي الجزائر"، تغنى بسحر الجزائر، قبل أن يلتحق بصفوف الثورة عام 1957، ووفق مصادر تاريخية، فلقد أسندت له قيادة الثورة مهمّة نسخ النشيد الوطني الذي كتبه الشاعر الكبير مفدي زكريا استناداً إلى نسخته الأصلية وتوزيعه على المواطنين، وبعد فترةٍ قصيرةٍ من ذلك، اكتُشف أمره من الاحتلال الفرنسي الذي كان قد ضاق ذرعاً بأغانيه، ولوقعها على الرأي العام الوطني والدولي، وكان الكثيرون يتوقّعون له مستقبلاً فنياً زاهرا، وفي حفل غنائي ارتد فيه أعضاء الفرقة الموسيقية ألوان العلم الجزائري، فأختطفه المحتل في 8 جوان 1958 مع اثنين من رفقائه، واقتادهم إلى "ساحة كارنو" (ساحة الشهداء حاليا) بوسط تيارت قريباً من الحي الذي وُلد وعاش فيه، حيث قتلهم ونكل بجثثهم، ولم يكتف بذلك، فجمع الجزائريين لمشاهدة مصير الثلاثة المشنوقين في الساحة لبث الرعب في نفوسهم، استشهد يومها وعمره لم يتعد 31 سنة، لم يطمس صوته، فتحولت ذكرى إعدامه إلى "اليوم الوطني للفنان"، وما يزال استشهادُه صرخة في وجه همجية المحتل تعود في كل عام.