تحيي اليوم الجزائر الذكرى الـ 66 لإستشهاد أحمد زبانة الملقب بحميدة ، مسؤول جبهة وجيش التحرير الوطنيين بالمنطقة الغربية وهران، وأحد المجاهدين الأوائل للثورة التحريرية، وأول شهيد أعدم بالمقصلة فأصبح رمزا للكفاح ومقاومة الشعب الجزائري ضد المحتل الفرنسي. وحكمت محكمة وهران بالإعدام على أحمد زبانة واسمه الحقيقي زهانة واستشهد تحت المقصلة في 19 جوان 1956 في سجن سركاجي بالجزائر العاصمة وكان أول من واجه عقوبة الإعدام بهذه الوسيلة من بين 222 آخرين حكم عليهم طوال حرب التحرير الوطني.
وفي شهادة حية لكل من المجاهدان بارودي زروالي وقدور بن عياد اللذان كانا شاهدا عيان عن اللحظات الأخيرة قبل تنفيذ الحكم بالإعدام في الشهيد الرمز أحمد زبانة بسجن سركاجي، تحدث المجاهد بارودي زروالي أحد المحكومين عليهم بالإعدام بسجن سركاجي عن اللحظات الأخيرة من حياة الشهيد أحمد زبانة والدموع تخونه في كل لحظة يحاول أن يتذكر فيها ذلك المشهد العصيب، خاصة وأن الشهيد أحس بدنو أجله ، فقلب المؤمن دليله، ففي يوم 18 جوان 1958 الذي كان بالنسبة إليه آخر يوم في حياته، بعدما كان قد تقدم بطلب العفو الى رئيس الجمهورية الفرنسية ملتمسا منه تخفيف الحكم و هذا بواسطة محاميه، لكن في المقابل عملت الإدارة الفرنسية على التحضير لهذا اليوم المشهود فقد جلبت في 16 جوان 1958 المقصلة، وبدؤوا في ترتيبات من خلال إخلاء زنزانة سي حميدة من رفقائه ليواصل بارودي شهادته عن الشهيد قائلا: "، لقد قضي زبانة الليلة الأخيرة وحده ، وكانت إدارة السجن تخفي أمر التنفيذ، و في تلك الليلة كتب حميدة رسالته لأمه ، وبقي زبانة على هذا الحال إلى غاية بزوغ الفجر وهو بين إقامة الصلاة وقراءة القرآن الكريم، ليأتي حراس السجن في الساعة الرابعة صباحا لأخذه لتنفيذ الحكم فيه، فأخذه مكبل اليدين والرجلين وهو يردد الجزائر حرة مستقلة، وكان صوته مدويا في رواق السجن وهو يقول: " أنا أموت و تحيا الجزائر" ، لقد واجه مصيره بقوة و شجاعة وحتى آلة المقصلة أبت تنفيذ الحكم 3 مرات لتكون المرة الرابعة هي النافذة ، فرغم أن حالته الصحية المتدهورة الناجمة عن طلق ناري في ساقه وذراعه اليسرى، وعلامات التعذيب البادية للعيان نتيجة الإقامة لعدة أشهر في الجانب المخصص للمحكومين بالإعدام في السجن، إلا أن جلاديه لم تأخذهم به رأفة وكانوا مصرين على تنفيذ الحكم فيه ، فقامت إدارة السجن بالإتصال برئيس الجمهورية في باريس لإخباره بما وقع، فشدد عليهم بتنفيذ حكم الإعدام قائل لهم : "عليكم بأداء واجبكم"، لينفذ الأمر للمرة الرابعة و يقطع رأس زبانة، وقبل إعدامه ببضع دقائق صرخ صرخته الخالدة : "أموت و تحيا الجزائر ".
لقد كانت دموع المجاهد بارودي زروالي حارة و هو يحكي عن اللحظات الأخيرة من حياة زبانة خاصة وقد كان مجاورا لزنزنة الشهيد، منددا بهذه الجريمة الشنعاء قائلا: "أن في القانون الفرنسي إذا نفذ الحكم بالمقصلة ولم يمت السجين فهو حر بحكم القانون لكن الاستعمار الفرنسي أراد أن يهز المجاهدين لكن الثورة و الجهاد تضاعف أكثر بتضحيات أبنائه الأبرار والجائر اليوم بحاجة لأبنائها للحفاظ عليهم من الأعداء المتربصين بها و الوطن أمانة في يد جيل الاستقلال .
واجه "حميدة " جلاديه بشجاعة الرجال
أما رفيقه في السجن المجاهد قدور بن عياد فعبر عن افتخاره بمعرفة شخصية زبانة الذي كان شجاعا أمام مقصلة الموت منوها بمساره الثوري قائلا: "لقد قدم حميدة رحمه الله الكثير من التضحيات وكان أول شهيد بالمقصلة، فلقد ساهم الحرمان والفقر اللذان عشاهما البطل الرمز في تكوين شخصيته، فلقد ولد زبانة سنة 1926 في زهانة بولاية معسكر، من والد يعمل في مجال الفلاحة، وعندما كان في الثانية من العمر فقط، غادرت عائلته قرية جنان مسكين، ليستقر بوهران بعد أن جردت الإدارة الفرنسية والده من أرضه مثله مثل آلاف الجزائريين، فلقد ترعرع أحمد زبانة بحيي الحمري والمدينة الجديدة، وبعد إتمامه المدرسة الابتدائية تخرج من معهد للتكوين بشهادة في التلحيم. ولعب انضمامه إلى الكشافة الإسلامية الجزائرية دورا حاسمًا في تطوير شعوره الوطني والقومي. وبصفات القائد التي كان يمتلكها ، انضم إلى المنظمة الخاصة (أوس) في مهمة تكوين المناضلين الآخرين الذين تشكلوا في خلايا سرية في قرى منطقة القعدة والتي كان يقودها.
أثارت أنشطته السياسية المتعددة وتنقلاته الكثيرة في نهاية المطاف انتباه أجهزة المخابرات والشرطة الفرنسية التي سرعان ما اعتقلته في 2 ماي 1950. وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة سنوات.وبمجرد إطلاق سراحه، استأنف زبانة أنشطته السياسية بنفس القدر من الحماس وشارك في الاستعدادات لإطلاق ثورة التحرير المظفرة وتم تعيينه من قبل العربي بن مهيدي بعد حل اللجنة الثورية للوحدة والعمل كمسؤول عن منطقة سانت لوسيان (زهانة) لضواحي وهران وعن التحضير للكفاح المسلح.
وفي 4 نوفمبر 1954، شن أحمد زبانة هجومًا على مركز لحراس الغابات بهدف الاستيلاء على أسلحتهم، أسفرت عن مقتل أحد الفرنسيين، وحينها، باشرت السلطات الاستعمارية عملية مطاردة حقيقية بحثًا عن مرتكبي هذه العملية، مركزا على اللحظة التي أقي فيها القبض عليه في غار بوجليدة بعد وصول العدو الفرنسي الى هناك صبيحة 8 نوفمبر 1954، وحصاره رفقة مجموعة من المجاهدين الذين سقطوا البعض منهم شهداء أثناء الاشتباكات التي دامت ساعات، فأصيب زبانة برصاصة أولا في رجله و ثانية في ذراعه، ليقبض فيما بعد على الجميع، وينقل بعد ذلك زبانة الى المستشفى العسكري بوهران للعلاج، فيما اقتيدت المجموعة الاخرى وهي مغلولة الأيدي باتجاه دوار القعدة بمعسكر. وبعدما محاكمة الشهيد أحمد زبانة في وهران في 21 افريل 1955 من قبل المحكمة العسكرية، قامت الادارة والسلطة الفرنسية بإعادة محاكمته بالمحكمة العسكرية بالعاصمة حيث رحل في 3 ماي 1955 وأصدر في حقه حكم الاعدام وباءت محاولة الدفاع بالفشل من قبل المحامي زرطال لتخفيف الحكم عليه .وكان آخر ما خطه زبانة بقلمه حسب بن عياد قدور هي الرسالة التي أرسلها لأمه فكانت تاريخية ومؤثرة أبرز فيها ايمانه القوي بالله تعالي وأن تضحيته من أجل بلاده هي واجب مقدس ولهذا ينبغي على أسرته أن تفتخر به و لا تبكيه .
في نفس السياق ذكر المجاهد قدور بن عياد رئيس المكتب الولائي لجمعية الوطنية لقدماء المحكوم عليهم الإعدام أنه عايش الكثير من المحكومين عليهم بالإعدام بحكم أنه واحد منهم و عاشرهم في زنزانة سركاجي لمدة 3 سنوات و بعد إعدام زبانة في 19 جوان 1956 يضيف بن عياد، وبعد سبع دقائق فقط تم إعدام شهيد آخر وهو عبد الكريم فراج بنفس الوسيلة وفي نفس الفناء. واستمرت آلة القتل في العمل بلا هوادة لمدة 5 سنوات طويلة حيث أعدمت 222 شهيداً، مبرزا رسالة الشهيد التي تركها أمانة في عنق أجيال الاستقلال الذين يجب أن يحافظوا على هذا الوطن الذي قدمت تضحيات كثيرة من أجل راية الجزائر داعيا الله سبحانه تعالي أن يحفظ الجزائر خاصة ونحن على أبواب الاحتفال بالخمسينية لاستقلال الجزائر، ويبقى أحمد زبانة شهيد المقصلة من الأبطال البارزين في الثورة المجيدة والذين ضحوا من أجل هذا الوطن.