المجاهدة زهرة الألمانية : البطلة الشقراء ... من شوارع بلجيكا إلى معاقل الأوراس

المجاهدة زهرة الألمانية : البطلة الشقراء ... من شوارع بلجيكا إلى معاقل الأوراس
الذاكرة
تعد المجاهدة زهرة الألمانية واسمها الحقيقي فاندنابل ليونتين جورجات جراردة من المجاهدات الأوروبيات اللواتي طّلقن شوارع باريس والرفاهية، ليكتبن قصصهن بحروف التضحية من أجل حرية الجزائر، فزهرة الألمانية التقيت بها مرتين وفي كل مرة كنت أرى في وجهها روعة الجمال و الوفاء لقضية أمنت بها من خلال زوجها ، قضية تحرير الجزائر . عن احتفال الجزائر بالستينية صرحت لنا أمنا المجاهدة زهرة الألمانية قائلة : " سعيد جدا أن أرى راية الجزائر ترفرف فوق سمائها بعد 60 سنة من الاستقلال، رغم أنني أشعر بتعب كبير لأن عمري 80 سنة و لا أستطيع المشي و الوقوف كثيرا لكن ربي يحفظ بلادنا الجزائر و جيشنا عند الحدود و على شبابنا أن يواصل رسالة الشهداء و يحافظ على الجزائر. والمجاهدة الألمانية فاندنابل ليونتين جورجات جراردة من مواليد 10 ماي 1942 ببلجيكا، ابنة روني جوزف و فرفابي مادلان ماري، حيث عاشت عائلة المعنية خلال حقبة احتلال الجيش الألماني لبلجيكا، مما جعلها تتنقل باستمرار عبر إقليم بلجيكا إلى غاية استقرارها بشمال فرنسا، وبالضبط بمقاطعة ليل، حيث كان والدها يشتغل كمنجمي. خلال عام 1957 وقع للمجاهد أحمد ضحوة حادثة كانت السبب في التعرف على زوجته زهرة الألمانية، فبحكم تواجده في فرنسا للعمل، وانخراطه في الثورة تحت لواء جبهة التحرير الوطني، فقد كانت مهمته هي جمع وشراء و تهريب الأسلحة، ما جعله كثير التنقل بين المدن الفرنسية والبلدان المجاورة . في أحد الأيام تنقل أحمد ضحوة إلى بلجيكا، فوجد نفسه في مأزق، بعد ما لاحظ وجود تحركات رجال الأمن البلجيكي، ما جعله يلجأ إلى أقرب منزل، وفتح بابه للهروب، حيث تظاهر بأنه مريض، ما تطلب تدخل المقيمين في ذلك المنزل الذين جلبوا له الطبيب و وفروا له جميع ظروف الراحة لاستعادة عافيته، وتظاهر بذلك سدا للذرائع . وفي أحد الأيام فضل زيارة هذه العائلة محملا بهدايا، وكانت الفرصة أن التقى زوجة المستقبل، حيث أن إتقانها للغة الفرنسية سهل مهمة التواصل معها ، وعزز عملية التعارف فيما بعد ، ليقرر الارتباط بها و جعلها شريكة حياته وكان قد حرص أحمد ضحوة على تلبية نداء جبهة التحرير الوطني بخصوص عملية جمع الأموال و الأسلحة لخدمة الثورة التحريرية بالتنسيق مع زوجته الزهرة الألمانية التي سهلت له المهمة كثيرا ، بحكم أنها أوروبية و لا يتم مراقبتها على خلاف الجزائريين و المغتربين، إلا أن المسار لم يكتمل بعد اعتقال زوجها أحمد ضحوة يوم 21 ديسمبر 1959 بفرنسا، و تم تحويله إلى ذراع بن خدة ، و زج به في سجن قصر الطير، وهو ما خلف حالة استنفار لدى الزهرة الألمانية ، وموجة كبيرة من القلق على مستقبل و حياة زوجها ، وبعد أن علمت بنقله إلى الجزائر، اتصلت بخلية جبهة التحرير من أجل ذهابها إلى الجزائر. لحقت بزوجها إلى الجزائر بعدما تم القبض عليه و لم تتوان في حجز مكان لها في الطائرة التي أقلتها من فرنسا إلى مطار بسكرة ، متتبعة تفاصيل العنوان الذي بحوزتها للوصول إلى مسقط رأس زوجها بمنطقة تكوت بباتنة عبر سيارة أجرة ، وعند وصولها تم إخبارها بأنه فر من السجن ويتواجد في مقر الولاية التاريخية الأولى بنواحي كيمل . وموازاة مع لقائها بأهل زوجها، و حملة التعاطف و التضامن التي قوبلت بها من طرف نساء و سكان تكوت ، فقد وصلت إلى قناعة بضرورة اللحاق بزوجها في الجبال، و هو ما حدث بعد حوالي 24 ساعة ، عقب ضبط الإجراءات و التدابير المتخذة من طرف مجاهدي الولاية التاريخية الأولى . في هذا الأثناء يردف السيد الشريف طورش و هو أحد أقارب زوجها في الحديث و يقول :" عندما صلت الزهرة الالمانية الى بيت عائلة زوجها ، أدوا أن يتأكدوا من صحة أقوالها فبعثوا لابنهم المتواجد في الجبل يسألونه اذا كانت زوجتك حلالك نتكفل بها اما اذا كانت جاسوسة او مدسوسة عليه سيتم التخلص منها ، فجأءهم الرد ايجابي بأنها زوجته و لم تكون إلا ساعات و تم التكفل بها من قبل الجبهة و اخذها معم الى زوجها في الجبل " . كان التعب باديا على الخالة المجاهدة الزهرة الألمانية و هي تقول في شهادتها الحية :" كان عمري آنذاك حوالي 19 سنة، حيث لم يكن أمامي خيار آخر سوى الصعود إلى الجبل للحاق بزوجي لمواصلة خدمة ثورة التحرير، وهذا تتمة للعمل الذي قمنا به سويا في فرنسا خلال عملية جمع الأموال والسلاح وفقا لأوامر جبهة التحرير الوطني، وقد كانت رحلة السير على الأرجل إلى جبال كيمل متعبة و قاسية، حتى أني شعرت بتفتت رجلي بسبب التضاريس الوعرة ، إلا أنني سرعان ما تجاوزت هذه المتاعب تدريجيا، خصوصا بعد التقائي بزوجي، و انضمامي لصفوف جيش التحرير الوطني". عملت الزهرة الألمانية بمستشفى المجاهدين المتواجد بمقر الولاية الأولى بغابة كيمل أين قدمت الإسعافات للمجاهدين المصابين خلال المعارك و كذا المدنيين رفقة ممرضة أخرى تدعى نادية القبائلية ، كما منح لها السلاح و اللباس العسكري من طرف قيادة جيش التحرير التي كانت تعاملها معاملة خاصة ، و كانت تمنح لها كمية إضافية و نوعية من ناحية الأكل، وهذا وفقا للإمكانات المتاحة . خلال الأشهر الأربعة الفاصلة عن استقلال الجزائر، استقرت المجاهدة الزهرة الألمانية بالمستوصف المتواجد بمقر بلدية تكوت، و واصلت تقديم العلاج للمدنيين تحت إشراف جيش التحرير الوطني إلى غاية 6 أكتوبر 1962، حيث تم تحويلها للعمل إلى الحياة المدنية رفقة زوجها بعين الناقة، غير أنها فضلت البقاء بتكوت، و العمل في نفس المستوصف الصحي، أما زوجها فقد عمل سائقا بالبلدية. وقد استمر عملها بالمستوصف إلى غاية مطلع عام 1977، حيث تم تحويلها إلى قرية شناورة للعمل كممرضة، وهي المسيرة التي دامت 20 سنة، وقد أحيلت على التقاعد يوم الفاتح سبتمبر 1997 من القطاع الصحي بآريس بعد مسار مميز دام 35 سنة في خدمة الصحة بالمنطقة، وسط إشادة كبيرة من سكان المنطقة، بشكل جعلها تحتل مكانة كبيرة ومحترمة في نفوسهم . اعتنقت الدين الاسلامي عن قناعة و الجزائر بلدي الثاني في المقابل، أكدت الزهرة الألمانية بأنها اعتنقت الدين الاسلامي عن قناعة ، وهذا بعد ما وقفت على سماحته و المثل التي يدعو إليها ، حدث ذلك يوم 14 جوان 1963 أمام فضيلة الشيخ الصادق رحماني ، و هو خريج جامع الزيتونة بتونس، وهذا بحضور رئيس البلدية آنذاك المرحوم بوستة علي، و تنازلت عن اسمها الأصلي ( فاندنابل ليونتين جورجات جراردة ) ، واختارت لنفسها اسم "الزهرة"، فيما يفضل سكان تكوت و شناورة مناداتها بـ " الزهرة الألمانية " . لقد أفنت الزهرة الألمانية حياتها في خدمة وطنها الثاني سواء أثناء الثورة أو خلال مرحلة الاستقلال ، كما أنها معروفة بأعمالها الإنسانية، وكذا الخدمات التي تقدمها للمرضى و النساء الحوامل في هذه المنطقة المحرومة من جميع شروط الحياة في تلك الفترة الصعبة و البائسة، و أنجبت الزهرة 5 أبناء ، من بينهم 3 بنات، وهي جدة لـ18 حفيدا ، والشيء الملفت للانتباه أن إحالة الزهرة الألمانية على التقاعد في خريف عام 1997، لم يمنعها من معالجة وإسعاف المرضى الذين يقصدونها في منزلها وهو ما جعلها تكبر في أعين الجميع ، في الوقت الذي تكيفت على مر العشريات السابقة مع تقاليد المجتمع الأوراسي، خصوصا و أنها تتكلم العربية بطلاقة و تفهم اللهجة الشاوية، ما جعلها كثيرة التواصل و قريبة من جميع طبقات المجتمع ، وهي تتقن تحضير الأطعمة و الأطباق التقليدية التي تتميز بها المنطقة، و الأكثر من هذا، فإنها تشارك سكان تكوت وشناروة جميع أفراحهم و أقراحهم ، و تلبي دعواتهم بصورة عادية بشكل جعل الزهرة الألمانية قطعة لا تتجزأ من المجتمع الأوراسي ، و سكان تكوت و شناورة على الخصوص ، لكن اليوم قالت لي :" لقد كبرت و أصبحت لا أقوى على المشي و السفر ، أنتظر موعد سفري إلى السماء و أتمنى أن يرضى عني رب العالمين ، لقد قمنا بالواجب من أجل وطني الجزائر و الجزائر أمانة في يد الشباب عليهم الحفاظ عليها " .

1 تعليقات

  1. دينار بوزيد 31 أكتوبر 2024 - 18:48:49

    اعرف هذه المواطنة جد المعرفة ، فهي تسكن حاليا بدائرة تكون اما عمي ضحوة محمد فقد مات منذ 5 سنوات على ما أظن .

يرجى كتابة : تعليقك