وأخيرا فنّدت الجزائر كل المزاعم والتكهنات، وكسبت الرهان بتبني وزراء الخارجية العرب المجتمعين في القاهرة لقرار رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، وترسيمهم موعد الفاتح والثاني نوفمبر المقبل من أجل انعقاد القمة العربية، التي ستحتضنها أرض الثوار وقبلة الأحرار، في موعد يجمع بين الرمزية التاريخية الوطنية، والبعد القومي العربي، وقيم النضال المشترك والتضامن العربي، وهو ما يجسد مرة أخرى قوة الدبلوماسية الجزائرية، التي تحوز على احترام العالم لمبادئها الثابتة القاضية بعدم التدخل في الشأن الداخلي لدول الغير، وحيادها الإيجابي الذي يعطيها قبولا كوسيط لحل الأزمات وهيبة بين الأمم .
وموعد الفاتح نوفمبر لم يأت اعتباطا، بل جاء لصيقا بشهر معروف بقدسيته لدى الجزائريين بشكل خاص ولدى كل أحرار العالم عامة، على اعتباره يكرّس "لتاريخ جامع"، سبق للدول العربية وأن إلتفت حوله من خلال تأييدها ومساندتها لمسار الثورة الجزائرية المجيدة، خاصة وأن انعقاد القمة العربية سيتصادف مع احتفال بلادنا بالذكرى 68 لإندلاعها، كما أكد على ذلك وزير الخارجية والجالية الوطنية بالخارج السيد رمطان لعمامرة، وسيكون أيضا فرصة للتعبير عن مشاكل الأمة، وإسماع صوت العرب عاليا ليكون لهم دور يسمح لهم بالتأثير الإيجابي في الأحداث الدولية والإقليمية، والعمل على توحيد صفوفهم ورأب الصدع الذي أصاب البيت العربي، وكيف لا يكون ذلك وبلد المليون ونصف المليون شهيد لها سوابق في التقريب بين وجهات النظر وأعلن منها عن قيام دولة فلسطين في 1988، لتكون قمة الجزائر في نوفمبر 2022 فرصة سانحة أمام الإخوة العرب للالتقاء من جديد، والالتفاف حول بعضهم من أجل "التحرر وامتلاك مقومات تقرير مصير موحد"، وهذا في ظل "التحديات المتزايدة التي تفرضها التوترات الخطيرة والمتسارعة على الساحة الدولية"، وأيضا من أجل "إطلاع السفراء العرب على الجهود التي تبذلها الجزائر، بهدف تعزيز العمل العربي المشترك"، وتكريسها "منظور بناء منظومة الأمن القومي العربي بكل أبعاده".
كما أن نجاح الجزائر في تحديد هذا الموعد لم يكن بالأمر السهل عليها، وهذا في خضم ما شهده العالم من أوضاع متردية في السنتين الأخيرتين، بسبب جائحة كورونا التي جعلت كل المنتظم في حالة "ستاتيكية"، يترقب جديد الوباء ويعد ضحايا الفيروس ما بين الموتى والمصابين، وتطبيق البروتوكول الصحي وتوفير اللقاح لتفادي العدوى، يضاف إليها الظروف الدولية الخاصة التي شهدها العالم ككل والوطن العربي بشكل، خاصة منذ ما يسمى بالثورات العربية والربيع الأسود في تاريخ الأمة العربية، التي لا تزال الكثير منها تتخبط بسببه في مشاكل داخلية وتسعى إلى إعادة بناء نفسها من جديد، وتصحيح أوضاعها في الداخل، كما هو الحال مع ليبيا وسوريا واليمن، بالإضافة إلى ما تعيشه العراق منذ 2003 بعد الغزو الأمريكي لأراضيها، دون أن ننسى التوتر بين بعض القادة العرب لأسباب مختلفة أغلبها يتعلق بترسيم الحدود بينها، وأخرى بسبب مواقفها الثورية من تصفية الإستعمار كما هو الشأن بالنسبة للجزائر والمغرب.
وضبط تاريخ محدد لإنعقاد القمة العربية هو في حد ذاته نجاح، يحسب لصالح رئيس الجمهورية الجزائري السيد عبد المجيد تبون، ولرئيس الدبلوماسية الجزائرية السيد رمطان لعمامرة، اللذان لم يهدأ لهما بال، وواصلا رحلاتهما المكوكية نحو الدول العربية وعلى الأخص مصر وتونس وقطر، في زيارات عمل للقاء القادة العرب وشرح وجهة نظر الجزائر، التي تمثل شريكا محوريا في المنطقة العربية، وينتظر منها أن تلعب دورا استراتيجيا في تهدئة الأوضاع بين بعض الدول التي تشهد توترا وصراعات داخلية، وعلى الأخص فيما يتعلق بقضية الصحراء الغربية لتصفية آخر المستعمرات بإفريقيا، والقضية الفلسطينية، التي تعد أهم ما يقض مضجع القادة العرب منذ الحرب العربية، وينتظر أن يكون ضمن مخرجات قمة الجزائر ما يعيد للشعوب العربية أمجادها لتحقيق نهضتها والتموقع على خريطة العلاقات الدولية من جديد.