اذاعة صوت العرب هي إذاعة مصرية تبث من القاهرة تم إنشائها في 4 جويلية من عام 1953، وكانت من أول وأشهر الاذاعات المصرية التي بثت لجميع أقطار العالم العربي باللغة العربية. اشتهرت الاذاعة كوسيلة أساسية استخدمها الرئيس المصري وقتها جمال عبد الناصر لبث خطاباته حول الوحدة العربية ومناهضة الاستعمار الاجنبي للبلدان العربية و تركز فحوى بث صوت العرب أثناء حقبة حكم جمال عبد الناصر حول مفهوم الوحدة العربية والأفكار الثورية ومناهضة الاستعمار. استغلت الحكومة في مصر آنذاك إمكانيات الإذاعة ودعت من خلالها إلى دعم المناضلين العرب ودعاة القومية العربية ومحاربة ما يسمى بالرجعية. كان صوت العرب صوت ثوار الجزائر. وكانت تبث رسائل مشفرة لجبهة التحرير الوطني الجزائرية والمقاومة الفلسطينية وكذلك جبهات التحرير بأفريقيا .
و من خلال صوت العرب تم إذاعة بيان أول نوفمبر بصوت أحمد سعيد و في هذا الصدد أكدت الكاتبة و الإعلامية شيرين نبيل توفيق من صوت العرب في تصريح خصت به الجمهورية عن مخاض ثورة المليون شهيد فى أروقة صوت العرب من القاهرة قائلة : " تمتد قوة العلاقات المصرية الجزائرية على كافة الاصعدة السياسية و الاقتصادية والثقافية والإعلامية وتشهد المواقف المصرية الجزائرية توافقا فى الرؤى السياسية فى العديد من القضايا العربية والإقليمية والدولية قديما وحديثا. وإذا رجعنا بالزمن الى الوراء نجد أن العلاقات المصرية الجزائرية تتسم بالدعم و المساندة المتبادلة، فقد ساندت مصر الجزائر فى ثورتها التحريرية العظيمة في مواجهة الاستعمار الفرنسى بداية من عام 1954 وتعرضت مصر للعدوان الثلاثى بسبب موقفها المساند لثورة الجزائر .
وفي المقابل قدمت الجزائر خلال عهد الرئيس هواري بومدين مساندة كبيرة لمصر سياسيا و ماديا عقب هزيمة يونيو 67 و استمرت حتى حرب 73 والتى شاركت فيها قوات جزائرية بل وطالب الرئيس الراحل بومدين من الاتحاد السوفيتى في 1973 شراء طائرات وحوالى أسلحة و إرسالها الى مصر .
وعلى الصعيد الثقافي والفني قام الموسيقار والمطرب والملحن المصرى الكبير محمد فوزى بتلحين النشيد الوطنى الجزائري قسما والذي يعد رمز الدولة الجزائرية. بل قامت السينما المصرية بإنتاج أهم عمل فنى مجد الثورة الجزائرية و بطولات المجاهدين وهو فيلم جميلة بوحيرد من بطولة الفنانة ماجدة وإخراج يوسف جاهين عام 1958. لقد دعمت مصر الثورة الجزائرية منذ الشرارة الأولى لها و سياسيا و عسكريا وإعلاميا وكان صوت العرب هو صوت الثورة الجزائرية منذ بدايتها و حتى النصر و الاستقلال .وعلى مدار حوالى سبع سنوات ونصف منذ الفاتح من نوفمبر عام 1954 وحتى استقلال الجزائر عام 1962، كانت اذاعة صوت العرب من القاهرة هى الجهاز الاعلامى الوحيد والرئيس للثورة الجزائرية وكان صوتا لمجاهدى الجزائر وغيرها من الدول العربية الساعية نحو الاستقلال .
لقد استطاعت الثورة الجزائرية أن تسحق أكبر قوة استعمارية فى تلك المرحلة و قد لعب الجانب الإعلامى لصوت العرب دورا كبيرا فى نجاح هذه الثورة و هو ما سنتحدث عنه فى الدقائق القادمة.
لقد اتخذت صوت العرب طابعا وطنيا منذ نشأتها فى الرابع من يوليو عام 1953 من خلال الدور الذى لعبته لمساندة الدول العربية والإفريقية للتخلص من الاستعمار.
الإعلامى الكبير أحمد سعيد أول من بث بيان أول نوفمبر
وتضيف الاعلامية شيرين نبيل توفيق عن اللحظة التي بث فيها بيان أول نوفمبر قائلة : ونبدأ بما ذكره الإذاعى والإعلامى الكبير أحمد سعيد فى أحاديثه ولقاءاته الصحفية حين قال: "عندما كنت جالسا فى صوت العرب فى أواخر عام 1953 لقيت واحد طالع شايل شنطة بيعرفنى بنفسه ويقول أنا اسمى مزيانى مسعود واحد من ثوار الجزائر، أخذه أحمد سعيد و عرفه علي فتحى الديب من المخابرات المصرية فى ذلك الوقت. ومرت فترة ثم فوجئ أحمد سعيد بفتحى الديب يدخل عليه مع مزيانى مسعود و يقول له، مزيانى مسعود تعيش أنت هذا اسمه أحمد بن بلة، القائد الذى قاد الثورة الجزائرية بعد ذلك".
واعترف مزيانى مسعود أو أحمد بن بلة للمخابرات المصرية بحقيقة وجود تنظيم لتحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسى ومن هم قيادته وقد تم اعتماد المال والسلاح لذلك و تم تدريب شباب جزائري فى مصر .وهذا ما قاله أحمد سعيد فى أحد البرامج.ويضيف قائلا :" كان أمامنا فى صوت العرب مشكلة كبيرة هى أن نمهد للشعب الجزائرى أن يكافح و يناضل من أجل الاستقلال، وفي هذه المرحلة كان الشعب الجزائرى يعانى من اليأس والقنوط بسبب الاستعمار الغاشم فكيف يمكن اخراجه إلى حالة الثبات و التطلع إلى الاستقلال و تقبل التضحيات و استمرارها بل و تزايدها .
بدأ صوت العرب فى تزكية حماس الشعب الجزائرى حوالى ستة أشهر الى أن استقر قادة الداخل بالجزائر على موعد الثورة، وجاء الى القاهرة أحد زعماء الثورة وهو الشهيد محمد بوضياف ومعه البيان الأول لإعلان الثورة الجزائرية و سلم الى صوت العرب نسخة من هذا البيان مكتوبا بالحبر السرى .وقد اذاع البيان الإذاعى الكبير أحمد سعيد فى الأول من نوفمبر عام 1954 الساعة العاشرة الا ربع مساءا على صوت العرب وجاء نص بيان الثورة كما هو معروف و بدأ بالاتى :بسم الله الرحمن الرحيم ... نداء الى الشعب الجزائرى ... أيها الشعب الجزائرى ... أيها المناضلون من أجل القضية الوطنية الى آخره...
وهكذا بدأ صوت العرب لأعظم معاركة وتحول صندوق أحمد سعيد كما كانوا يطلقون عليه الى إيقونة الثورة الجزائرية ووصل صوته الى كل بيت جزائري وكل مدينة و فوق جبال الأوراس.وقال أحمد سعيد: "من صوت العرب قطعت ارسالها فى تلك الليلة وبدأت فى بث الأناشيد الوطنية الجزائرية و أعادت بث البيان مع نقل أخبار العمليات الفدائية فى الجزائر.
وكان صوت العرب يبث أناشيد وخطب حماسية لزيادة حماس الثوار وتشجيعهم على مواصلة الكفاح حتى النصر و الاستقلال وهو ما جعل الاستعمار الفرنسى آنذاك يشن هجوما قويا على الاذاعة وطالبت بعض الصحف الفرنسية التى كانت تصدر فى الجزائر وقتها بالقبض على من يستمع لصوت العرب .
وتم وضع خطة للتشويش عليها وهاجمت أحمد سعيد هجوما عنيفا، ومن شدة تأثير صوت العرب على الجماهير العربية كانت الدول الاستعمارية تسلط صفارات الإنذار وأجهزة التشويش اللاسلكى على موجاتها مثل وضع أغنيات أو صفارة مستمرة تجعل الاستماع اليها مستحيلا وذلك خوفا من قدرتها على حشد و تعبئة الرأى العام العربى.
وكان فى يوم الثانى من يوليو (جويلية ) عام 1954 أول اطلالة للزعيم الجزائرى أحمد بن بلة على أثير صوت العرب من خلال خطابه الأول الذى تمت كتابته بالفرنسية وشارك فى ترجمته الى العربية محمد خيضر و حسين آيت أحمد من قيادات الثورة الجزائرية و فتحى الديب و أحمد سعيد من مصر .
وبدأ بن بلة خطابه بقوله أحدثكم من صوت العرب من القاهرة مدينة الأزهر الشريف و دعا إخوته المواطنين بالجزائر الى التمسك بالصبر والأمل فى المستقبل وتأكيد وحدة الشعب الجزائري، وكانت نهاية الخطاب مؤثرة و قوية حين قال :" فليردد كل الجزائريين و لو بصوت أخرس صباحا و مساءا الجزائر للجزائريين ".وجاء العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 وكان من أسبابه تأميم قناة السويس وأيضا دور الإعلام المصرى وتحديدا صوت العرب فى شحن الجماهير الجزائرية ضد الاستعمار. وطلب من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر نزع سلاح الراديو فأجاب : لو نزعت سلاح الراديو فسأصبح أنا منزوع السلاح .
وقد استهدف الاستعمار الانجليزى و الفرنسى فى ذلك الوقت محطات إرسال الإذاعة فى أبو زعبل لإيقاف تأثيرها على الجماهير العربية ولكن استمعت الجماهير العربية الى الاذاعة المصرية فى اليوم التالى عندما تم بثها من دمشق وقال المذيع السورى عبد الهادى البكار من دمشق هنا القاهرة .
وكان المناضلون الجزائريون يمدون صوت العرب بالمعلومات والأخبار والرسائل عن الثورة والثوار وكذلك كان الاذاعى الكبير أمين بسيونى وغيره من ضمن العناصر الذين عاشوا مع ثوار الجزائر فى الجبال و أرسل الأخبار و الرسائل لصوت العرب بصفة مستمرة. وذكر زيادة عدد المتطوعين من الشباب الجزائرى فى جبهة التحرير الجزائرية و كانت هذه ظاهرة مثيرة للتساؤل وعندما سألوهم كانت الإجابة واحدة هى دور صوت العرب. وأنتج صوت العرب أناشيد ومسلسلات لرفع مستوى الوعى العام بحقائق التاريخ وهوية الجزائر و حقها فى طلب الاستقلال .وكان من ضمن الاستعدادات الاتفاق على نظام شفرة فى كلمات الأستاذ أحمد سعيد موجهة الى الداخل الجزائري عن القتال .
وفي يوليو (جويلية) من عام 1962 ألقى الزعيم بن بلة خطابه الثانى عبر صوت العرب أيضا و لكن هذه المرة من الجزائر المستقلة وبلغة عربية سليمة وعقب انتهاء الإرسال فى ذلك اليوم توجه بن بلة و أحمد سعيد و غيرهم للقاء الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. والجدير بالذكر أيضا اهتمام صوت العرب بإنشاء إذاعة للجزائر فى القاهرة وافتتحت برامجها بحديث ليوسف بن خدة رئيس حكومة الجزائر المؤقتة فى ذلك الوقت واستغرق 4 دقائق، وكانت إدارة هذه الإذاعة إدارة جزائرية مصرية مشتركة.
الزعيم الراحل بن بلة قال أن صوت العرب هو صوت الثورة الجزائرية
وأضافت شيرين عن ملحن النشيد الوطني قائلة: "يجب أن نذكر الفنان الكبير محمد فوزى ملحن النشيد الوطني الجزائرى قسما عام 1957 والذى أصر على أن يقوم هو بتلحين النشيد وقد تردد البعض فى البداية لأن محمد فوزى كان بارعا فى الأغانى العاطفية والخفيفة و بالفعل قدم فوزي لحنا قويا لنشيد حماسى يلهب المشاعر و الحناجر و نال إعجاب قادة الثورة و أعتمد قسما النشيد الوطنى للجزائر .و فوزى أيضا قدم أغنية مليون شهيد للثورة الجزائرية والتى تبدأ بقولها 7 سنين والحرب داير وشعب قضى العمر ثاير، مليون شهيد مليون شهيد كتبوا انتصارك يا جزاير .
ليس فوزى فقط من قدم أغنيات للثورة الجزائرية بل عبد الحليم حافظ قدم أغنية قضبان حديد فى مارس 1963 وكذلك محمد قنديل ولا أحد ينسى لتحيا الجزائر المسجلة بإذاعة صوت العرب بصوت الفنان المصرى كارم محمود الذى تميز فى الغناء باللهجة الجزائرية وغيرها من الأغنيات والأناشيد التى سجلت وغناها مطربون مصريون و منها العديد الذى سجل فى صوت العرب دعما للثورة الجزائرية . أخيرا أقول: فى معركة استقلال الجزائر تأكد الدور المصرى سياسيا و عسكريا و إعلاميا وفنيا منذ الفاتح من نوفمبر 1954 وما قبل ذلك التاريخ و حتى الاستقلال في يوليو (جويلية ) 1962، كان صوت العرب صوتا للثورة الجزائرية و قد سمعه كل العرب يصدح قائلا: أيها الإخوة فى كل مكان نزف إليكم بدء ثورة تحرير واستقلال الجزائر إليكم بيان جبهة التحرير الوطنى... اللجنة الثورية للوحدة والعمل.لقد كانت تلك اللحظات من أعظم دقائق إرسال صوت العرب وأكثرها تميزا وخلودا.