"زاوية الدباغ" بتينركوك بولاية تيميمون...منارة علم رمز للوطنية والاعتدال

"زاوية الدباغ" بتينركوك بولاية تيميمون...منارة علم رمز للوطنية والاعتدال
الجهوي
لا يمكننا أن نتحدث عن مدينة أدرار ، قلعة المساجد والزوايا الدينية ، منارة علمية للباحثين في علم الفقه الإسلامي والمراجع الدينية المعتدلة ووجهة السياح الذين يفضلون السياحة الدينية دون ذكر زاوية الدباغ، هذه الزاوية التابعة لدائرة تينركوك التي تقع على بعد ما يفوق الـ 200 كلم عن ولاية أدرار والتي كانت تابعة لها قبل التقسيم الإداري الجديد الذي أقره رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون والذي أصبحت بموجبه مدينة تيميمون ولاية مستقلة بذاتها عن الولاية الأم (أدرار). يعود تاريخ تشييد زاوية الدباغ إلى قرون قد خلت، خلت السنين وبقي الذكر الحسن بفضل مشايخها والعلماء الذين تداولوا على تسييرها وخدمتها بمساعدة سكانها طبعا ، ولازال من توارثوها على درب ضيافة عابري السبيل وإبلاغ الرسالة المحمدية يواصلون المشوار إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ... ولإشباع فضولنا عن كل ما وصل إلى مسامعنا من أخبار هذه الزاوية، شددنا الرحال من أقصى الشمال الجزائري انطلاقا من ولاية وهران متوجهين نحو ولاية تيميمون ومن تم قطعنا 74 كلم نحو زاوية الدباغ أين حطت جريدة الجمهورية رحالها وكان في استقبالها الشاب صالح الدباغي الذي قام بالإشراف على ضيافتنا ولم يتوان لحظة عن خدمتنا حيث وجدناه عند مدخل الزاوية ينتظرنا بابتسامة عريضة، ومن تم توجه بنا إلى قاعة الضيوف وسط الزاوية وبعدها أعد لنا مائدة إفطار تضم مما لذ وطاب من مأكولات، و قال لنا أن كل المواد المستعملة في تحضيرها هي محلية الإنتاج، يتم استخراجها من البساتين المحيطة للزاوية و هي ملكية لأهل الدباغ، وهم رجال ونساء و الأطفال يخدمون أرضهم التي توفر لهم قوتهم وحاجات الضيوف الذين ينزلون كل حين على زاويتهم.. ونحن نُنهي وجبة الإفطار بارتشاف كأس شاي صحراوي يعكس ثقافة وتقاليد المنطقة، وقف علينا الشيخ عبد العزيز الدباغي والذي دعاني إلى جولة بسيارته الخاصة ليجوب بنا مختلف ربوع الزاوية، فكانت بداية الجولة بمقبرة الزاوية وهنا وقفنا لقراءة الفاتحة على ضريح المرحوم العلامة الفقيد سيدي محمد بن عبد الرحمان الدباغي الذي ولد خلال سنة 1934 وانتقل إلى رحمة الله صبيحة السبت 24 جمادى الأول 1439 هـ الموافق لـ 10 فبراير 2018 م رحمه الله ، وعند ختم تلاوة فاتحة الكتاب تقدم إلينا الشيخ الدباغي عبد العزيز وبدأ يسرد لنا حكاية تشييد الزاوية التي كانت على يد والده العلامة سيدي محمد بن عبد الرحمان الدباغي رحمه الله ، قائلا :" تلقى والدي تعليمه على يد العلامة الشيخ سيدي محمد بن لكبير منذ نعومة أظافره وبقي تحت قبته لأزيد من 12 سنة من سنة 1951 إلى غاية 1963 ، هذه السنة شهد فيها ترسيم الشيخ محمد بن لكبير إماما للجامع الكبير وسط مدينة توات من قبل مديرية الشؤون الدينية والأوقاف كما عين والدي عونا دينيا و مؤذنا، وعُين أيضا الشيخ عبد الله عزيزي بذات المسجد وفي السنة الموالية تقدم الشيخ سيدي محمد بن لكبير رفقة والدي رحمهما الله الى مدينة تينركوك ليستقصي حالة المدينة والسكان حتى يعطي لتلميذه وقتها الشيخ محمد الدباغي الموافقة لفتح مدرسة قرآنية هناك وبعدما شاور العلامة بن لكبير سكان مدينة تينركوك وحضي بموافقتهم أعطى لطالبه الضوء الأخضر ليفتح المدرسة القرآنية التي كانت في الأول مخصصة لأصحاب المنطقة فقط لأنها لم تكن تتوفر على مرافق الإقامة، هذا كان سنة 1964 .. وبعد مرور السنين وبالتحديد سنة 1983 أسس الشيخ محمد الدباغي مدرسة داخلية تتكفل بإيواء وإطعام الطلبة قاصدي التعليم وكذا عابري السبيل واليوم نحن نحرص على إتمام هذه المهمة التي ورثناها على والدنا رحمه الله " . • مدرسة الزاوية مقصد طلاب العلم من المقبرة توجه بنا الإمام عبد العزيز نحو المدرسة حيث وجدنا ثلة من الطلبة الذين تتراوح أعمارهم ما بين 10 إلى 17 سنة جالسين وسط القاعة حاملين ألواحهم مكتوب عليها آيات بينات من القران الحكيم ومنتظرين الشيخ عبد العزيز الدباغي لينهي جولته معنا ويعود إليهم ليتم لهم الدرس ، وفي هذا الجانب قال لنا نفس المتحدث : " تستقبل مدرستنا خلال فترة الشتاء ما بين 30 إلى 35 طالب يأتون لطلب العمل من مختلف ربوع الوطن، أما خلال المدرسة الصيفية فنستقبل ما يفوق 80 طالبا يقضون معنا 3 أشهر وخلال هذه الفترة يحفظون ما تيسر من كتاب الله ويتلقون الدروس في علوم الشريعة ومن تم يغادروننا ويبقى معنا الطلاب الدائمون فقط، وبالنسبة لهذه الفئة فإننا نحرص على أن يُتِموا حفظ وختم القرآن الكريم كما يتلقون دروسا في الفقه، على يد كل منا نحن المتحدث وأخي الشيخ الدباغي محمد عبد الله، وهناك أستاذ تعليم قرآن مختص في تحفيظ الفتيات حيث خصصنا لهن قسم للتعلم والحفظ، أما بالنسبة لإمامة المسجد فكُلف بها كل من الإمام الدباغي عبد العزيز والدباغي علي والشيخ الدباغي عبد الرحمن أخي الأكبر وهو المشرف العام عن الزاوية وهو إمام أستاذ معتمد من طرف الشؤون الدينية والأوقاف، ومن المدرسة توجهنا إلى إقامة الطلبة، هذه الأخيرة تحتاج إلى دعم كبير لإعادة تهيئتها ولتحسين مرافقها وتوسعتها حتى تتمكن من استقبال أكبر عدد من الطلبة في ظل توفر كل الظروف المعيشية الجيدة . وللإشارة فقد تخرج من هذه الزاوية العشرات من الأئمة والفقهاء والعارفين بعلم الشريعة الإسلامية وهم الآن اطارات يشتغلون بمناصب مختلفة لدى وزارة الشؤون الدينية موزعين عبر مديرياتها بمختلف ولايات الجزائر . كما تضم الزاوية جمعية خاصة بها، تتولى مهمة الحفاظ على الإطار القانوني وتسيير المدرسة القرآنية وجميع نشاطات المسجد التابع لذات الزاوية. وإلى جانب تعليم القرآن وأحكامه، للزاوية العديد من النشاطات والاحتفالات التي تقيمها على مدار السنة ومن أبرز هذه النشاطات، إحياء ذكرى وفاة العلامة الشيخ سيدي محمد بن لكبير الذي وافته المنية سنة 15 سبتمبر 2000 ومن يومها حددت الزاوية تاريخ 26 نوفمبر من كل سنة لتخصيص ليلة كاملة لإقامة السلكة (ختم كتاب الله انطلاقا من صلاة العصر إلى صلاة الفجر لليوم الموالي ) وفي هذه الليلة يتم تنظيم حفل زفاف جماعي قد يصل عدده إلى 28 عريس ، يُعقد قرانهم في أجواء تضامنية احتفالية اجتماعية روحية ، تسعى من خلالها الزاوية إلى توطيد العلاقات بين أفراد المجتمع في المنطقة ككل . • من تينركوك إلى رقان.. جسر من المعرفة ومن هنا انتهت زيارتنا لزاوية الدباغ العريقة، ليكبر الفضول لدينا باحثين عن معلومات أكثر، الأمر الذي دفعنا إلى التوجه بعد أيام من تينركوك شمال ولاية تيميمون إلى بلدية رقان جنوب ولاية أدرار قاطعين مسافة تقدر بـ 400 كلم وقبلتنا هذه المرة إلى المدرسة القرآنية علي بن أبي طالب برقان والتي يشرف عليها الشيخ الدباغي عبد الكريم (أمين المجلس العلمي لمديرية الشؤون الدينية لولاية أدرار ) إن الشيخ عبد الكريم الدباغي فتح مدرسته سنة 1988 بطلب من الشيخ بن لكبير في حين أن والده كانت مدرسته مفتوحة من قبل ، هذا الإمام الذي وصل صيته إلى مختلف ربوع الوطن وحتى خارج الوطن بفضل خطبه ودروسه التي تتسم بالوسطية والاعتدال ، ومع أذان صلاة المغرب وصلنا عند باب بيت الشيخ عبد الكريم الدباغي أين وجدنا ابنه الشاب عبد المالك عصام في استقبالنا والذي أخذنا إلى داخل البيت حيث رحبت بنا عائلة الشيخ وأكرمت منزلنا ، ليتم استقبالنا بعد قرابة النصف ساعة من طرف الشيخ بعد أن أدى صلاة المغرب بمسجد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، حيث رحب بنا ودعا لنا المولى ومن تم فتح لنا قلبه ، ليسرد لنا كيف تتلمذ على يد الشيخ محمد بن لكبير رحمه الله هذا الأخير الذي تكفل برعاية والده الشيخ محمد الدباغي الذي عاش يتيما وتخرج على يده كما سبق وأن ذكرنا في أعلى المقال نفس الوقائع التي ألقاها علينا الشيخ عبد العزيز الدباغي . • زاوية الدباغ، مهمة روحية وأخرى اجتماعية ... كانت بداية حديث الشيخ عبد الكريم الدباغي عن مهام الزوايا حيث قال : " مهام الزوايا تتمثل في شطرين ، الأولى مهمة روحية تتمثل في نشر الذكر وتعليم الفقه والقرآن الكريم والتثقيف وترسيخ مبادئ الدين الإسلامي، والمهمة الثانية هي اجتماعية تتولى جمع الناس في المناسبات العامة وتوفير فضاءات اجتماعية في مختلف المواسم (المولد النبوي الشريف، الأعياد ،عاشوراء،، رمضان ... وغيرها ) حيث أن للزاوية دور ايجابي في بناء أواصر الأخوة والتوافق في المجتمع ولها دور في ترميم الصفوف وإصلاح ذات البين وتقريب وجهات النظر ". وجهنا لشيخنا سؤال عن موقف الزاوية من التحول الالكتروني الذي يعيشه العالم و كيف تتكيف الزوايا مع هذا التطور السريع ؟ فأجابنا الشيخ عبد الكريم الدباغي قائلا :" مع التكنولوجيا ضًعُف دور الزاوية وللأسف هذا الضعف ترك فراغا لأنه لا يوجد بديل خاصة حينما بدأت المجتمعات تأخذ أبعادا في التواصل والاطلاع والتعامل مع أطراف وعوامل عدة، بدأ دور الزاوية ينحصر ويتقلص وهذا يخلق تحديا كبير للزاوايا ...كيف ستتكيف مع الوضع الجديد خاصة مع دور وسائل التواصل الاجتماعي ، أصبح يُفرض تحديا خاصا على الزوايا في المنطقة ونحن نعلم على التوفيق بين المدرسة وعالم الفضاء الأزرق بطريقة سلسلة لتبليغ الرسالة المحمدية وندعو الله أن يوفقنا في التكيف معه بطريقة أو بأخرى . وبخصوص المدرسة القرآنية التي يشرف عليها الشيخ عبد الكريم، فهي تضم ما يقارب 180 طالب قدموا من مختلف ولايات الوطن ومن خارجه من دولة النيجر، مالي ، بوركينافاسو وموريتانيا ، و عن مدرسته يقول الإمام عبد الكريم الدباغي :" مدرستنا تقع في موقع استراتيجي من الناحية المناخية مما يجعلها أكثر قدرة على استقطاب الطلبة خاصة من خارج الوطن، إلا أننا نحتاج إلى تحسين وتوسيع المرافق حتى نتمكن من استقبال عدد أكبر من الطلبة حيث نطمح لأن يصل عدد الطلبة إلى ما بين 300 و 500 طالب " وعن زاوية الدباغي بتينركوك بولاية تيميمون التي تعد مسقط رأس الشيخ عبد الكريم يقول شيخنا :" مدرستنا تعد قطبا متكاملا مع زاوية الدباغ حيث أننا ننقل الطلبة خلال فترة الشتاء من الدباغ إلى رقان حينما يكون الجو باردا ليكملوا التعليم هنا وفي الصيف نعاكس ذلك لتوفير جو ملائم لطلبتنا، وكذا لخلق جو مكمل لزاوية الدباغ في إطار تعليم القران الحكيم وإتمام الرسالة النبوية ونشر الوعي ومحاربة الجهل "

1 تعليقات

  1. البريشي محمد 25 أكتوبر 2023 - 20:14:57

    هل يمكن لشخص موظف ان يلتحق باحد الزوايا من احل حفظ القران و دراسة العلوم الشرعية بحيث يمارس مهنته و يقيم بالزاوية؟

يرجى كتابة : تعليقك