ما يعيشه العالم الإسلامي من صدمات عدائية تحت غطاء ثورة التغيير تارة وحرية التعبير تارة أخرى يعكس الابتزاز الغربي و الهيمنة الأوروبية والاسلاموفوبيا على قرابة المليوني مسلم تستدعي إنتاج نخب قادرة على فهم الواقع والاستثمار في المهارات القادرة على إدارة الصراع دون الوقوع في حبائله وفخ استراتيجيات الغرب ، وما تستعمله الحركات اليمينية المتطرفة من نفوذ وتسلط من أجل تمزيق النسيج الاجتماعي وتخريب اللحمة الثقافية للأمة الإسلامية يتطلب ضرب المخابر الذكية التي صنعت الحركات المتطرفة في ظل التناقض الواضح والاضطراب ظاهر في الخطاب السياسي الرسمي الأوروبي، كونه غير قادر على مواجهة اليمين المتطرف داخليا وداعيات الحرب في أوكرانيا خارجيا وتوحيد الجهود وتعميق التعاون والتضامن البيني ، هذا تحدث عنه الدكتور والباحث المختص في الإعلام محمد بغداد في حوار ل "الجمهورية" بناء على رؤية منطقية تلخص ما يواجهه العالم الإسلامي من هجمات متطرفة والحجج والتبريرات الواهية التي تستعملها النخب القيادية تحت عنوان التنديد والدعوة إلى التعايش السلمي.
فمنذ أكثر من قرن والعالم الإسلامي يتعرض إلى الهجمات الشرسة من طرف الغرب، هذا الغرب الذي استبدل الحروب الصليبية بالاستعمار والآن استبدل الاستعمار بالهيمنة والاستحواذ، مستعينا بالنتائج الكبيرة للثورات الصناعية والتكنولوجية، بهدف واحد هو استنزاف الثروات وتخرب المجتمعات وتدمير الذوات الداخلية وتشويه الهويات وغيّر من الاستراتيجيات الدقيقة، وللأسف الكثير من النخب في العالم الإسلامي تقع في الفخ الذي تنصبه لها هذه الاستراتيجيات، وأكثر من ذلك خطورة أن هذه النخب عندما تتفطن لما يحاك لها تسيء التصرف وتتحرك بطرق تجعلها تدفع التكاليف الباهظة مما يجعل الغرب يستثمر في ردود أفعالها.
ويعتقد المختص في الاعلام أن الأجيال الجديدة قادرة على استيعاب مفهوم الصراع الدولي في العصر الحديث ويفترض أن تكون مستعدة للقادم من المشاهد، والسبيل الوحيد أمامها هو العلم والمعرفة والذكاء وبناء تنمية قوية وذكية تجعلها بعيدة عن الابتزاز الغربي، ويكون من المفيد العمل على إنتاج نخب قادرة على فهم الواقع وتمترسة في الصراع وتمتلك المهارات الكافية لإدارة الصراع دون الوقوع في حبائله.
وبالنسبة لقضية حرق المصحف الشريف يرى محمد بغداد أن الغرب مشغول بأزمته الكبرى المتمثلة في الحرب الروسية الأوكرانية التي تهدد الكيان الأوربي برمته مما يجعله يتعرض إلى ضغوط اليمين المتطرف داخليا و الذي يتزايد نفوذه المستقبلي، مما يجعله في ورطة ، خاصة وأن الرؤية الأمريكية التي استند عليها طويلا تستخدمه اليوم كأداة لتصفية حساباتها مع خصومها، ولهذا نجد التناقض واضح والاضطراب ظاهر في الخطاب السياسي الرسمي الأوروبي، كونه غير قادر على مواجهة اليمين المتطرف داخليا وداعيات الحرب في أوكرانيا خارجيا، كما أنه يهاب من ردود الأفعال غير المتوقعة داخليا والتي إن اندلعت فسيكون مجبرا على تحمل تكاليف باهظة غير قادر على تحملها.
فالنخب الغربية وبالذات الأوروبية منها على وجه الخصوص تعيش حالات من التخبط والاضطراب، في المقابل بدات تظهر النماذج القيادية القادرة على إنتاج تصورات تستند إليها النخب السياسية القيادية، وهو ما نشاهده في نوعية الخطاب الفكري الأوروبي والسلوك السياسي منه على وجه الخصوص.، فما تتعرض له أوروبا ومنذ عشرين سنة تقريبا يحتاج منا التأمل والتتبع يمكن أن تستفيد منه نخبنا إذا تفطنت إليه، وما صعود اليمين المتطرف إلا دليل يقابله تراجع في القيادة الفكرية السياسية الأوروبية.
وربط الدكتور موضوع الاسلاموفوبيا بصناعة المخابر الذكية الغربية التي تستهدف تدمير دول العالم الإسلامي وتمزيق نسيجها الاجتماعي وتخريب لحمتها الثقافية وهي تستخدمها في كل مرة من أجل ابتزاز الشعوب ونهب ثرواتها واحتقار مشاعرها وهي تدفعها إلى الوقوع في ردود الأفعال غير المدروسة التي تدفع ثمنها باهظا، خاصة وأن المؤسسات الأوروبية المتخصصة في صناعة وإدارة الأزمات تدرك اليوم أنها محاصرة من الهجمة الأوراسية (الاستراتيجية الروسية) والاكتساح الصيني الذي بدأت ملامحه في الظهور والتأثير وهو يمثل خطر أكبر من الإسلام على الغرب كما يتصوره بعض العارفين من المفكرين والفلاسفة الغربيين، مما يجعلها في دائرة ضيقة لا يوجد أمامها إلا الإسلام لتستثمر فيه، والكل يعلم أن قادة الغرب أعلنوا صراحة ووثقوها في مذكرات قادتهم أنهم هم من صنعوا العديد من الحركات المتطرفة، والعالم كله تابع ما حدث في سوريا والعراق وما يحدث في بعض المناطق الأخرى.
وأما الجاليات المسلمة في الغرب فهي تعرف تحولات كبيرة معرفيا وجيليا، وهي الحالة التي تحتاج إلى بعض الوقت حتى يتم النضج والبناء الصحيح، الذي يمكنها من الحصول على موقعها ومكانتها المناسبة، وهي الآن في مرحلة الانخراط الفعلي في المجتمع الغربي وبدا الجميع يرى التغير الحاصل في سلوكاتها وخطابها بحيث لا تقع في فخ النخب الغربية المتطرفة وهي تعمل على الحصول على أدوات التأثير الفعلية.
وما هو نادى إليه أشغال اجتماع الجزائر لمنظمة التعاون الإسلامي و نبه فيها السيد رئيس الجمهورية من أجل ضرورة المسارعة نحو مواجهة التحديات المتوقعة من خلال مشاريع ومؤسسات تجمع طاقة القوى الفاعلة، خاصة وأن التجربة الجزائرية في مواجهة التطرف نموذجا قادر على تقديم الكثير من الحلول والمشاريع الناجحة التي بإمكانها أن تساعد على مجابهة المخاطر الكبرى، وبالذات أن مقترحات الجزائر مرتبطة بالتنمية وحماية الأجيال القادمة من مخططات القوى الغاشمة في الغرب التي تستهدف ضرب استقرار الدول وتدمير بنيانها.
كما أن بيان اجتماع منظمة التعاون الإسلامي أظهر رغبة دول العالم الإسلامي خاصة القوية منها في السير نحو مستقبل واعي من طرف الأنظمة السياسية والنخب المؤثرة وإدراك أبعاد مخططات التدمير والاستفزاز وتوحيد الجهود وتعميق التعاون والتضامن البيني.