كان ذلك في العشرين من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة ، فتح الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وأنقذ بيته وبلده واستبشر بالفتح أهل السماء ، ودخل به الناس في دين الله أفواجا ، وسببه -أي فتح مكة - ، نقض قريش لما صالحت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، باعتدائها على خزاعة معينة قبيلة بني بكر العادية سرا ، وبلغ الرسول الخبر، وأحست قريش بسوء فعلتها ، وأرسلت أبا سفيان ليزيد في مدة صلح الحديبية ويثبته، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجهز للغزو؛ مستنفرا الأعراب، كاتما الخبر ، داعيا ربه ا :" اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها " ، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة لعشر مضت من رمضان ومعه عشرة آلاف من المسلمين، وأسلم في الطريق عمه العباس وأهله ،وابن عمه أبو سفيان ابن الحارث، وابن عمته عبد الله بن أبي أمية ، وأفطر عليه الصلاة والسلام لما بلغ كديدا موضع قريب من مكة ، وأمر الناس بالافطار ، وأكرم الله أبا سفيان ابن حرب فأسلم وأنزله رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلته وقال :" من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " وأسرع أبو سفيان إلى أهل مكة وصرخ بأعلى صوته:"هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن قالوا قاتلك الله وما تغني عنا دارك قال ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن فأسرع الناس إلى بيوتهم وإلى المسجد الحرام ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فاتحا، وبجانبه أبو بكر، وهو يقرأ سورة الفتح ومعه وحوله المهاجرون والأنصار، فاستلم الحجر وطاف بالبيت وطهره من الأصنام وقرأ قوله جل جلاله:"وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا "، وطهر الكعبة من الأصنام والصور وطاف في البيت ،وكبر في نواحيه ،ووحد الله ، وخطب في الناس خطبة بليغة بين فيها أحكام الإسلام وتعاليمه وآدابه وشرائعه ،وحدوده ومناهيه ، واستعرض عليهم خلقه عليه الصلاة والسلام فقال : " إذهبوا فأنتم الطلقاء " وبايعه الناس وأسلموا ، وصلى صلاة الفتح ،وأذن بلال على ظهر الكعبة لصلاة الظهر ، وهدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعقاب الفتح عزى ، وسواع ،ومناة وهي أكبر أصنام العرب ،وتم الفتح ودخل الناس في دين الله أفواجا وأتم النعمة وهدى للملة ونصر نصرا عزيزا .