أبى الله إلا أن تصير مكة دار للاسلام ، ومأرزا للإيمان، بعدما كانت مهدا للشرك والكفران ، ومن تأمل أحداث فتح مكة يدرك أنه كان ضريبة لجهاد شاق ، واستشهاد ، ومحن وابتلاءات ، فلم يكن لينتصر الصحابة بدون الإسلام ، فبه عزوا ، ونصروا ، وسادوا وقادوا ، وفتح لهم فتحا مبينا ، والمسلم الشغوف بالفتح ، هو الذي يتطلعه ويترقبه في غدوه ورواحه ، وصباحه ومسائه ، وليله ونهاره ، وقد يتحقق للمسلم اليوم ؛ الفتح ما تحقق للأوائل إذا أحسن تدبر هذه الحادثة - فتح مكة - فاستلهم العبر وأحسن التدبير، واعتصم بالعليم الخبير ،فكان له ، نعم المولى ونعم النصير، وقد جاء الفتح الأعظم محملا بالدروس الملهمة التي منها نقيصة نقض العهود ، وأنها سبب للذل والهوان ، والهزيمة والخسران ،والضيعة والخذلان، كما جاء الفتح ليعلمنا أن الفتح لا ينال إلا بإتباع سيد الفاتحين، عليه الصلاة والسلام، فقد تجلى كماله في القيادة، وتحقيق النصر والسيادة، وعدله وإنزال الناس منازلهم ، ورحمته بالناس ؛ بالترخيص لهم بالفطر في رمضان، وتواضعه وشكره لربه ، ودخوله مكة خاشعا خاضعا لربه ، مستكينا له ،فلم يدخل مكة دخول المتكبرين المتجبرين، جاء الفتح المبين ؛ ليعلمنا أن الفتح لا ينال إلا لمن كانت جوانحه تفيض عفوا، وسماحة، ورحمة، ورأفة،" اذهبوا فأنتم الطلقاء " وعدلا ووفاء ، يظهر ذلك "في رده مفتاح الكعبة لعثمان ابن أبي طلحة " جاء الفتح ليعلمنا مبدءا من المبادئ الإسلامية السامية ، ألا وهو نصرة المظلوم ، وتجلى هذا في السبب المباشر لفتح مكة في نصرة النبي صلى الله عليه واله وصحبه وسلم لخزاعة وقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة في الدعوة قولا وفعلا لهذا المبدأ العظيم ، حيث بايع الصحابة رضي الله عنهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على نصرة المظلوم ،وكان من وصاياه عليه الصلاة والسلام "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما ".
والحق أن في خبر الفتح المبين لعبرا، وفي نبأه مذكرا أن الباطل مهما طال أمده فلابد أن يخر صريعا يوما لروعة الحق وجلاله " وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا " " إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ".
