يقف جيل السبعينيات والثمانينات اليوم السبت المصادف ل ال 24 من الشهر الفضيل أمام أجمل محطة في حياته ويستذكر صورا مضت لم يبق منها سوى الذكريات ويحّن إلى أيام زمان و يسترجع مواقف لا تزال راسخة ، ليتها تعود ليعيش مجددا أجواء التحضير للعيد واقتناء ملابس العيد مع وجوه افتقدها وأسماء دونت في قائمة الوفيات .
من منا لا يتذكر استعدادات الأمهات للمناسبة الدينية وأيام التجول بين محلات أسواق المدينة الجديدة والقصب و قرنقينطا ، و من منا لا يستحضر تلك الأجواء المميزة الممزوجة بروح النشاط وهمّة الجدة وقوة الأم وانضباطها في تربية أبنائها والتي لم تكن تقبل أي النقاش أو التفاوض ولا ترضخ لإلحاح الأبناء إذا تعلق بشراء ما يحتاجونه أو ارتبط ذلك بدائرة اختصاصاتها ومع هذا كانت أوقاتا كلها صدق ونقاء وعفوية لا تلغي التحسر على زمانها مهما مر السنوات .
أكيد أن لا أحد منا استطاع أن يختزل تلك المرحلة من قاموس حياته وما سجلته نكهة رمضان زمان من مشاهد لا تمحى ، مادمنا اليوم نشتاق لتلك اللحظات ، لحظات لم تلغ المودة والمحبة رغم بساطة العيش ورغم حزم العائلة وسيطرة الأم على كل الأجواء .
فكانت ربة البيت في ال 10 الأواخر من رمضان تنتقل رفقة أبنائها إلى السوق بكل شغف واهتمام لشراء ملابس العيد دون اعتراض ، أو حتى تدخل الأطفال لإبداء رأيهم ورفض نظام "ألبس واسكت" لان حلاوة العيد كانت لها طعم خاص ولا تنحصر في مجرد ارتداء طقم جديد .
فاليوم الأول من جولة السوق كانت تخصص لاقتناء طقم العيد من سوق القصب بسعر لا يتعدى 1500 دينار والكلمة الأولى والأخيرة هنا الأم صاحبة القرار ولا يحق للطفل الاختيار أو تغيير البذلة .
ولم يكن الأمر صعبا بالنسبة للحذاء والملابس الداخلية ولا يحتاج لحضور الابن لان العملية كانت تتم بمحل الحي ولم يكن يهم الأم إذا كان المقاس يناسبه أم لا ، وأي إجراءات الطعن مرفوضة سواء على مستوى المحكمة الابتدائية أو العليا .