همة الشجعان

آراء و تعليقات
كانت الحرب التحريرية الجزائرية ولا تزال واحدة من أقوى الثورات في العالم إن لم نقل أعظمها.. كيف لا وهي التي أكدت على أن الحرية تؤخذ ولا تعطى، وألهمت شعوب المعمورة كيفية الذود عن أوطانها لاسترجاع الحريات المسلوبة، فكانت الجزائر بعد نيل استقلالها وطنا للثوار وقبلة لأحرار العالم، وساهمت في تخليص الكثير من المستعمرات من جلاديها. فحربنا التحريرية الكبرى لم تكن مجرد قنابل ورصاص رشاشات مستدمر غاشم، كان يصنف كواحد من أهم القوى العسكرية في القرن العشرين، اعتدى على شعب أعزل واستنزف خيراته زهاء القرن و32 سنة، بل كانت بين طرفين غير متكافئين في كل شيء، ماعدا رباطة الجأش وقوة العزيمة، لرجال آمنوا بقضيتهم العادلة، فألقوا بها إلى شعب احتضنها، وأصبح في كل بيت مجاهد مغوار، أو شهيد صدق ما عاهد الله عليه مفتديا الوطن بدماء طاهرات. فكانت ثورتنا فسيفساء من الكر والفر... وانتصارات متتالية دوّنها التاريخ بأحرف من ذهب، وها نحن اليوم نحتفل بمحطتين مفصليتين من تاريخنا المجيد، هما الذكرى المزدوجة لهجمات الشمال القسنطيني ومؤتمر الصومام، اللذان شكلا منعرجا حاسما لنضال شعب أبيّ، شغوف بحرية بذل في سبيلها النفس والنفيس، وقدم تضحيات جسيمة للحصول عليها... شعب أخذته العزة بالوطن والحمية لاسترجاع حريته وبسط السيادة على كل شبر منه، فحقق المراد بفضل جيش التحرير الوطني الذي كان مصدر قوته، ويواصل اليوم سليله المسار في حماية حدودنا ببسالة وهمة الشجعان. ملحمة الشمال القسنطيني التي أسمعت صوت ثورتنا القاصي والداني، ودوّلت قضيتنا، وجعلت الأمم المتحدة تفتح لأول مرة في سبتمبر 1955 الملف الجزائري لم يكن من قبيل الصدفة، ولم يتحقق في أضغاث حلم نائم.. بل خطط لها رجال من ذوي الهمم العالية، نالوا من فرنسا الاستعمارية ولقنوها درسا في الوطنية، بل علموها كيف ينبغي لها أن تهاب زئير الأسود الجريحة، عندما يستشهد لها قائد المنطقة الثانية بالشمال القسنطيني البطل ديدوش مراد... ويعتقل رجل المنطقة الأولى مصطفى بن بولعيد.. ، ويزج بقائد المنطقة الرابعة رابح بيطاط في غياهب السجون. فرنسا التي استهانت بقوة خصمها لم تكن تدري أن رحم الأم الجزائرية ولاّد، وأنها باغتيال شهدائنا لم تقض على ثورتنا ولم تقض مضجعها.. بل زادتها تأجيجا ولهيبا، وكانت تخلق من ظهر كل شهيد قوافل من المجاهدين البواسل... وجعلها غرورها بقوتها تجهل مكامن الأمور ولا تعطيها حقها في التقدير، ليفاجئها بطل همام اسمه زيغوت يوسف ورفقاؤه بهجوم على الشمال القسنطيني، نجحوا من خلاله في خضم ثلاثة أيام فقط في كسر الحصار عن منطقة الأوراس، معقل الثورة ومهدها الذي انطلقت منه، وخففوا الإجراءات العسكرية الفرنسية على الأهالي الذين ازدادوا التفافا وتمسكا بثورتهم رغم الويلات التي تكبدوها، ولم ينجح مشروع "سوستال" في إخماد نار الثورة أو إبعاد الشعب عنها. هجومات الشمال القسنطيني نجحت أيضا في التأكيد على قوة الثورة، وفي توسيع رقعتها بنقلها من الأرياف إلى المدن، وفي ضم الأحزاب والأفراد إليها، وكانت سببا في سقوط حكومة "منديس"، لتدحض مزاعم فرنسا الاستعمارية أن ثورة نوفمبر 1954 ماهي سوى انتفاضة لمجموعة من قطاع الطرق من أجل الخبز والماء. لتأتي المحطة الثانية وهي مؤتمر الصومام، الذي جاء سنة بعد هجومات الشمال القسنطيني، وسنتين بعد اندلاع الحرب التحريرية، فأعطى بعدا آخر للثورة الجزائرية، من حيث التنظيم السياسي والعسكري، وحدد معالمها.. بتقييم ايجابيات المرحلة السابقة لدعمها، والتخلص من سلبيات الماضي والتعلم منها... هناك في قرية افري أوزلاقن، وضع قادة ثورتنا خارطة طريق مستقبلية... كانت كفيلة بأن تؤدي ببلادنا إلى تحقيق نصر عظيم... يفتخر أحفاد الشهداء من شباب الاستقلال بكل محطاته.

يرجى كتابة : تعليقك