اختتمت أمس بوهران تظاهرة "سيراط بومدين يعود هذا الشهر" التي نظمتها جمعية الأمل الثقافية إحياء لذكرى رحيل سيد الكوميديا السوداء، الذي لا يختلف اثنان في أنه ذلك الفنان الذي كان ذات يوم يصنع البسمة والفرح في وجوه الجزائريين بإبداعه على خشبة المسرح وتألقه أمام شاشات الكاميرا في أعمال فكاهية هادفة ومتميزة، أبرزها رائعة "شعيب الخديم " الراسخة في ذاكرة الثقافة الجزائرية، ليتحول إلى أسطورة تاريخية خالدة في الفن الجزائري والعربي، ويقف على سدة التميز في مجال الفكاهة ويخطف الأضواء، ويعتلي القمة في عالم الفن الرابع والسابع، ورغم رحيله منذ 28 عاما ، إلا أنه بقي رمزا من رموز الفكاهة، تاركا إرثا كبيرا من الأعمال الخالدة ومهما نقول عنها ومهما نقبنا عن تفاصيل مشواره الفني لن نوفي حقه....
إنه الأسطورة الغنية عن كل تعريف المرحوم "سيراط بومدين" ،نجم الإبداع والتميز بدون منازع الذي عمل من أجل فنه ووطنه والتزم صف البسطاء من عامة الشعب، ليختار أن يكون لسان حال طبقة الكادحين في جل أعماله وهو ما خلّده في قلوب عشاقه من الجزائريين.
جريدة الجمهورية أبت إلا أن تستحضر محطات خالدة من حياة أيقونة الخشبة الجزائرية في الذكرى 28 عن رحيله المصادفة لتاريخ 20 أوت 1995، وتستذكر مناقب الرجل برصد شهادات مؤثرة لرفاق دربه من مخرجين وفنانين امتزجت بين التقدير والعرفان في حق هذا الفنان القدير الذي ولد عام 1947 ،وقدم أعمالا كبيرة ومتعددة أطل من خلالها على واقع المواطن بكل ما تحمله الكوميديا من معنى، وعرف كيف يتناول انشغالاته وكيف يسوق للفن بإبداع خلال فترة ناهزت 25 سنة من العطاء، ومن اهم أعماله مسرحية " الأجواد " لعبد القادر علولة و" البلعوط" لبوعلام حجوط وسلسلة " عايش بالهف" الفكاهية وغيرها من الأعمال الفنية الخالدة.
حيث كانت البداية مع السيد ميهوبي محمد فنان مسرحي ورئيس جمعية الأمل الثقافية الراعية لذات النشاط، وخلال مقابلة جمعتنا به بمقر جريدة الجمهورية سلط لنا الضوء على الجانب المخفي من الراحل سيراط بومدين حيث استذكر أهم المحطات التي جمعته بالمرحوم الذي يراه "ظاهرة كونية" في عالم التمثيل لم يعرف الركح الجزائري مثيل له ، وقال عنه إنه حقيقة بلومي المسرح فهو يعرف جيدا متى يسجل الهدف ومن أي زاوية على ملعب المسرح ليمتع جمهوره الذي كان يحج من مختلف ربوع الوطن ليحضر أعماله الفنية المسرحية وحتى السينمائية، وعن سيراط يقول السيد ميهوبي " ما عسني أن أقول عن الراحل بومدين أو كما يسمى لدى عامة الناس "ديدن" هو ظاهرة فنية واجتماعية، هو إنسان بكل ما للكلمة من معنى، كان الجمهور يتوافد على المسرح يسألوننا هل بلومي يلعب اليوم فنجيبهم هذا مسرح، يقولون نعلم نحن نبحث عن "بلومي المسرح"، وهنا يقصدون العملاق ديدن رحمه الله" .
وأكد لنا أنه يقوم بإنجاز مسرحية التي ستكون حاضرة خلال الذكرى الـ 29 لرحيل سيراط بومدين تحمل عنوان "سيراط ... جلول المنور" المنور دور قدمه الراحل سيراط في مسرحية "الأجواد" و"جلول" التي أخذ عليها جائزة الفقيد إبان حياته ، وقد تم توزيع الأدوار كما يلي : "دور جلول ليجسده الفنان محمد بالصغير ، ودور المنور كان من نصيب الفنان السويح ، أما محمد ميهوبي فسيتقمص دور القوال".
في حين عاد بنا السيد حويدق محمد مخرج تلفزيوني وسينمائي إلى مرحلة انتقال سيراط من الفن الرابع إل الفن السابع، وتجربته معه في العديد من الإعمال التلفزيونية التي كانت تحت غطاء التلفزيون العمومي لمحطة ولاية وهران، وعن المرحوم يقول السيد حويدق:" ما عساي أن أقول عن شخصيته أو أعماله هو ظاهرة، لكن أقول عنه كلمة حق، سيراط بومدين هو من أدخل المتحدث حويدق المخرج إلى التاريخ، من خلال الأعمال التي قدمناها سويا، وبعد عملي معه تأكدت من أنه يستحق الجائزة التي نالها في مهرجان قرطاج كأحسن ممثل إفريقي وعربي أمام عمالقة الفن السابع والرابع ،مثل الممثل غيث الذي أدى دور عم الرسول صل الله عليه وسلم "حمزة" في فيلم الرسالة ، وهذه الشهادة وصلت إليها بعدما رأيته كيف يحفظ السيناريو في ثواني، ويتوجه للوقوف أمام الكاميرات من أجل التمثيل، فأجده يثقن الدور ونسجل اللقطات بدون إعادة، حقا هو ظاهرة عالمية ليس لها مثيل... رحم الله فقيد المسرح الجزائري"
وعرج بنا الكاتب المسرحي والممثل عبد القادر بلكروي على أهم المراحل التي تشاطرها مع الفقيد ديدن، مؤكد أنه كان في معاملاته انسانيا بدرجة امتياز ما جعله يكسب مكانة خاصة في قلوب الجمهور، ويقول السيد بلكروي: " سيراط كان يحب عمله ويتقنه ولا يبخل على أي شخص من خبرته، كان بسيط (قليل ويحب القلاليل) عشق المسرح فعاش له ومات فوقه ... رحم الرجل وأسكنه فسيح جناته " .
