وهم الهويّة

ثقافة
من نحن غير القصص التي نحكيها لأنفسنا عن أنفسنا ثمّ نصدّقها. - سكوت تورو - ليس هناك ما هو أثقل على النفس من شخص يتفاخر بنَسَبه أو قبيلته أو مذهبه أو منطقته بطريقة عنصرية، واضعا الآخرين في مرتبة من الاحترام والإنسانية أدنى من مرتبته هو وجماعته. اعتقد أن كلّ من يؤمن بالأفكار العنصرية أو يتبنّاها في حياته وفي تقييمه أو نظرته للآخرين هو شخص جاهل وساذج، بل ويفتقر إلى ابسط درجات الثقافة والتحضّر والإنسانية. منذ أيّام قرأت كلاما عميقا وذا صلة بالموضوع لأحد الكتّاب، يتحدّث فيه عمّا اسماه "وهم الهويّة". ولو قرأ كلّ إنسان هذا الكلام لأعاد النظر في الكثير من الأفكار القديمة التي تفاخر بالأحساب والأنساب وبالقبائل والمناطق والمذاهب. فكرة الكاتب تقوم على أساس أن ليس هناك من شعب أو جماعة بشرية أصليّة أو أصيلة. فجميع البشر يتحدّرون من السّفن العائمة والمراكب التائهة، ولا سبق أو تفضيل لجماعة بشرية على أخرى إلا في سرعة الرياح. فالكلّ مولودون في مراكب تقاذفتها الأمواج حينا من الدهر، وكلّنا أضعنا أوراق هويّاتنا في البحر، وكلّنا بلا استثناء انحدرنا من نسل الناجين من الطوفان. وبناءً عليه، لا أحد يملك اليابسة أو الأصل، ولا أحد يملك الهويّة. ولهذا السبب - يضيف الكاتب - كانت لغتنا دقيقة في التعبير عن الهويّة. فالهويّة ليست أنا، وليست نحن. الـ "هويّة" مشتقّة من ضمير الغائب "هو"، الذي يحيل اصطلاحا إلى الغياب بدل الحضور، وإلى الفقد بدل الامتلاك، وإلى الاجتثات بدل الثبات. ومن هنا – ربّما - يكمن البعد الرمزيّ لسفينة نوح. وأختم بكلام معبّر آخر، هذه المرّة من رواية 1984 لجورج اورويل يقول فيه انه لو سُمح لكلّ إنسان بأن يتواصل مع الغرباء لاكتشف أنهم مخلوقات تشبهه وأن ما قيل له عنهم مجرّد أكاذيب، ولانكسر العالم المقفل الذي يعيش فيه ومعه كلّ إحساس بالخوف والكراهية والتحامل ضدّ الآخر.

يرجى كتابة : تعليقك