عانى الشعب الجزائري من ويلات الإستعمار الفرنسي، وتفاعل مع أحداث الثورة التحريرية المظفرة بعدة طرق من بينها كتابة القصائد وتقديم الأغاني الوطنية الحماسية، ومن أجل تخليد أيام الكفاح والبطولات كتب الكثير من الشعراء العديد من القصائد الثورية التي قدمت على شكل أغاني شعبية وأناشيد كانت تُؤدى بطريقة تقليدية، ولا تزال إلى اليوم تغنى في الأعراس والمناسبات الثقافية والوطنية، من أجل التذكير بتضحيات الشهداء وبطولات المجاهدين وكل ما عاشته الجزائر خلال الفترة الإستعمارية، وأيضا حتى يتقرب الجيل الجديد من تاريخ بلاده وتزرع فيه حب الوطن . لقد تناولت الأغاني الثورية تفاصيل كثيرة عن نضال الثوار ويومياتهم وبطولاتهم، وتحولت إلى ما يشبه وثيقة تاريخية، خصوصا أنها رافقت المجاهدين منذ انطلاق الثورة في أول نوفمبر 1954 ،وكانت دعما قويا للثورة التحريرية كونها تبث الحماس وتنشر الوعي وسط الجزائريين، كما كانت كلماتها بمثابة مواساة وتوثيق للآلام التي تسبب فيها الاحتلال الفرنسي ، وأغلب الأغاني الثورية كانت تعكس ملامح الوحدة الوطنية والتلاحم بين أبناء الشعب الجزائري والمناضلين، وتترجم الإرادة القوية لتحقيق الاستقلال والنصر ضد المحتل الغاشم. وفي هذا الصدد أكد الشاعر قندوز قادة رئيس جمعية "الأصالة والمحافظة على التراث" أنه خلال الثورة التحريرية المجيدة، كانت تقام بسعيدة حلقات " المداح" في الأسواق الشعبية، وكانت معروفة آنذاك بـ" الخليفي"، وكانت تستقطب عددا كبيرا من المواطنين، حيث يتم تمرير رسائل مشفرة لهم من قبل جنود جيش التحرير الوطني حتى يفهموا ما يجري وما يريدون فعله في بعض المناطق، وكانت هناك بعض الكلمات التي تحمل دلالات شعبية لا يفهمها إلا الجزائريون مثل عبارة " دبري دبري" التي تعني أن الإخوان سيقومون بعملية عسكرية في منطقة ما وعلى المواطنين عدم الخروج من منازلهم حتى تكون العملية أكثر سرية وفاعلية، مشيرا في نفس الوقت إلى أن بعض مغنيي البدوي كالمرحومة "الشيخة الريميتي" كانت تدعو من خلال أغانيها في الأعراس إلى التسلح بالروح الوطنية ودعم المجاهدين والثورة، حيث تقول في إحدى أغانيها " زغرتي يا اللي تعرفي ، وعلمنا جابوه بنشيد ومحمد يا ذراعي ليمن، وأنت صغير ويجي عليك الماط".