تشارك الجزائر منذ أمس في القمّة السادسة لمنتدى الدول المصدرة للغاز بالعاصمة القطرية الدوحة باعتبار بلادنا أهم عضو في منتدى الأمم المنتجة لهذه الطاقة الأحفورية حيث تحتل الجزائر مكانة مهمة جدّا في الترتيب العالمي من حيث الإنتاج و تموين العديد من دول العالم فلا شك أن إمدادات الجزائر نحو القارة الأوروبية من الغاز المسال هي الأهم بفضل خطوط النقل القارية و الأنابيب التي أنجزت عبر البحر الأبيض المتوسط و بفضل جاهزية موانئها للتصدير .في هذا الخصوص يقول الخبير الاقتصادي و المختص في مجال المحروقات السيد مصطفى مكيدش ل "الجمهورية" بأن التاريخ يثبت مدى أهمية الجزائر في الأسواق الدولية للغاز و نوعية منتوجها الذي يحظى باهتمام خاص من طرف أوروبا ،فقد فرضت مكانتها منذ 50 سنة بعد تأميم كل حقول الغاز و النفط على ترابها. و لا يزال دورها في مجال الطاقات الغازية فعّالا منذ 1971 و هي تمتلك أحد أكبر حقول الغاز في العالم و هو حقل حاسي رمل و بعد تأميم هذه الثروة امتلكت الجزائر أول مركب تمييع الغاز الطبيعي و هو مركب "لاكاميل" بأرزيو الذي مكنها من تبوّأ المراتب الأولى في العالم فتكون بفضله السباقة في إنتاج الغاز المسال و تسويقه عبر العالم ،حيث صارت الدول الأوروبية أهم زبائن الجزائر نظرا لاحتياجاتها المتزايدة من هذه الطاقة التقليدية بسبب ارتفاع معدلات الطلب العالمي و حاليا لا تزال بلادنا تحتفظ بنفس المكانة بل أهم من السابق بدليل أن الأمين العام لمنتدى الدول المنتجة و المصدرة للغاز حاليا جزائري و هو السيد محمد هامل و هذا منذ العام الماضي ،و أشار مصطفي مكيدش في هذا الخصوص بأن أهمية هذا المنتدى هو بنفس مكانة منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبيك" خصوصا و أن انجذاب معظم دول العالم و خاصة المتطورة منها نحو الغاز المسال يزداد تدريجيا نظرا لارتفاع الطلب العالمي ،فحاليا تمتلك بلادنا حوالي 80 مليار متر مكعب من مخزون الغاز الطبيعي و حوالي نصفه أي 40 مليار متر مكعب يذهب للاستهلاك الداخلي و الباقي يوجّه للتصدير وفق اتفاقيات دولية سعت أوروبا إلى تعديلها بما يتناسب و مصالحها و خاصة فيما يتعلق بالسعر ،حيث كان في الماضي يضيف الخبير الاقتصادي غير مرتبط بسعر البترول لكن بفضل تدخل الجزائر و مفاوضاتها المثمرة مع الزبائن تم ربط السعرين ببعضهما و هذا مكن من فرض أسعار مناسبة للغاز المسال سواء بالنسبة للدول المصدرة أو المستوردة له و ذلك على المدى الطويل رغم محاولات الاتحاد الأوروبي تغيير هذا البند .
* أوروبا تسرعت في محاولة لاستبدال الغاز بالطاقات المتجددة
و حاليا تواجه العديد من الدول الأوروبية مشكلا عويصا في توفير الطاقة لمواطنيها بدليل الأزمة الخانقة في التموين التي وقعت فيها انجلترا لأنها حاولت التخلي عن الغاز الطبيعي كمصدر رئيسي للطاقة و اعتمادها على الطاقة النظيفة كالرياح لكنها وقعت في الأزمة بعد توقف محطات الإنتاج . و في هذا الشأن يضيف محدثنا بأن العديد من الدول الأوروبية قد تسرعت في اتخاذ قرارات مماثلة و تعويض الطاقة الأحفورية التقليدية بالطاقات المتجددة لكنها لم تنجح في تغطية احتياجات سكانها المتزايدة خصوصا بعد توقف ألمانيا عن استعمال النووي في إنتاج الطاقة رغم أنها في حاجة ماسة لها ،و يبدو أن هناك تسرع من طرف الدول الأوروبية و عدم توافقها في الرؤى و المواقف خاصة فيما يتعلق باستغلال الغاز الطبيعي و البحث عن البدائل. و فيما يخص قمّة منتدى الدول المصدرة للغاز المنعقدة هذه الأيام في الدوحة فيرى الخبير مصطفى مكيدش بأن مخرجاتها ستصب حتما في خانة توحيد الرؤى داخل المنظمة و تجاوز كل الصراعات التي تشتد بالأسواق و التنافس الكبير من الدول حول تأمين الاحتياجات من الغاز من جهة و فرض النفس داخل الأسواق العالمية حيث يرى الخبير بأن هذه القمة بمقدورها إقامة حوار مثمر بين مختلف الفاعلين في السوق و وضع استراتيجيات موحدة حول الإنتاج و التسويق من أجل تغطية الطلب العالمي من هذه الطاقة التي تسير نحو النضوب شأنها شأن أي منتوج طاقوي تقليدي آخر لذلك فإن أسعارها مرشحة للارتفاع. و يذكر بأن أمريكا صارت منافسا قويا بعد دخولها مجال الإنتاج و التصدير بفضل الغاز الصخري .و بمناسبة حلول ذكرى تاميم المحروقات في 24 فبراير 1971 يقول الأستاذ مكيدش بأنها فرصة مناسبة للاعتراف بإنجازات الأجيال السابقة و من محاسن الصدف أنها تزامنت و انعقاد القمة السادسة لمنتدى الدول المصدرة للغاز بقطر ،و وجب في هذه المناسبة حثّ الأجيال القادمة على مواصلة مسار البناء و الحفاظ على مكانة الجزائر في المحافل الدولية و السعي لبناء اقتصاد قويّ يخلها من التبعية لريع المحروقات باعتبارها ثروات زائلة مع الاعتماد على أنظمة إنتاج طاقة صديقة للبيئة و البحث عن البدائل الملائمة لها.