[النفس المفتونة ]

[النفس المفتونة ]
رمضانيات
يقول الله عز وجل في محكم تنزيله على لسان المنافقين : {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَٱرْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ ٱلْأَمَانِىُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ}سورة الحديد الآية 14 هذه أيها السادة الأفاضل وقفة أخرى مع صفة من صفات النفس الأمارة بالسوء والتي تلبس في كل مرة زيا مغايرا تتخفى به سعيا في غوايتنا . لقد جاءت هذه الآية الكريمة لتصور لنا حوارا وقع بين أهل الإيمان وأهل النفاق، وقد بعدت بينهم المسافات وافترقت بهم المنازل فهؤلاء في أعلى المنازل في الجنة --جعلنا الله جميعا من ساكنتها-- وأؤلئك هم في أسفل السافلين في النار يعانون سوء المصير -- أعاذنا الله وإياكم من النار-- . لقد حددت الآية الكريمة أربع صفات أخلاقية سيئة اعتادتها تلك الأنفس المنافقة المفتونة المغرورة ، فجرت أصحابها إلى النار وبئس المصير ، وهي: فتنة أنفسهم ، وتربصهم ، وارتيابهم ،واغترارهم بالأماني ، فهذه الصفات استهوتها أنفسهم فافتتنت بها فأهلكتهم. قال تعالى على لسانهم : { يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ۖ قَالُواْ بَلَىٰ} أي يقولون للمؤمنين الفائزين بلسان الترحم والاستعطاف والرجاء ، لقد كنا معكم في الدنيا نقول: لا إله إلا الله ، ونصلي، ونصوم ،ونجاهد، مثلكم، ونعمل مثل عملكم؟ فيجيبونهم المؤمنون { قَالُوا بَلَى } أي نعم كنتم معنا في الدنيا، وعملتم -- في الظاهر-- مثل أ عمالنا، ولكن أعمالكم شابها النفاق لم تكن خالصة لله رب العالمين ، لم تكن أعمالكم عن إيمان ولا نية صادقة صالحة، بل { فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ } أي: أَنَمتم أنفسكم بالأماني الباطلة، ومحنتموها بشكوككم في وعد ربكم ، فأهلكتموها بالنفاق. لقد صحبتم الشكك ورافقتكم الريبة في خبر الله بالغيب الذي لا يقبل شكا، ثم أنكم { وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ } لقد أغوتكم أنفسكم المفتونة بالأماني الباطلة، فتمنيتم أن تنالوا منال المؤمنين، بخداعكم ، وأنتم غير موقنين، ولا مصدقين برب العالمين.{ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ } أي: حتى جاءكم الموت وأنتم بتلك الحال الذميمة. فكانت النتيجة الحتمية { وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ } أغواكم الشيطان الرجيم، الذي زين لكم الكفر والريبة، فاطمأننتم به ، ووثقتم بوعده، وصدقتم خبر الشيطان، وكذبتم أمر الله الرحمن. هكذا صور لنا القرآن الكريم حال المنافقين يوم القيامة وهم ينادون المؤمنين نداء كله حسرة وندامة ، آملين أن يجدوا آذانا صاغية، لم يستفيقوا إلا على خداع الشيطان الرجيم لهم، غرهم بالأماني الكاذبة وبسعة رحمة الله. وللاسف الشديد ذلك حال بعض الناس اليوم إنهم يتأبطون الخطايا ويصحبونها بلا فراق في حياتهم اليومية ، حتى أنهم ينامون مع المعصية، مولين ظهورهم للتوبة والإنابة ، ثم يطمعون سفها في النجاة من الغذاب فهيهات هيهات والآن لنسأل بصدق هل الفتنة النابعة من داخل أنفسنا أفتك وأخطر علينا أم الفتنة الواردة إلينا من الغير ؟ إن القرآن الكريم قطع الشك باليقين فأوضح لنا النتيجة النهائية حين قال : {وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ } إنه لم يقل فتنكم غيركم !!! كما أن النبي صلى الله عليه وسلم في خطابه لنا كان علمنا أن نقول ( ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ) ولم يسن لنا أن نقول: ونعوذ بالله من شر اليهود والنصارى. صحيح أنهم شر ولكن شر أنفسنا أشد وأنكى. نعم إن أخطر وأشد فتنة تصيبنا هي من فعل أنفسنا الأمارة بالسوء، لذلك وجب أن نزجر أنفسنا لأننا حين نأطرها على الحق ونربيها على الفضيلة ونفطمها عن الرذيلة لن تؤثر فينا ضلالات الغير بل نحن ساعتها سنؤثر في غيرنا وسنجعلهم ينقادون وراء الحق الذي نقف كل يوم ندعو الله ان يديمنا عليه فنردد في كل ركعة من صلاتنا : {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} فاللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى آمين.

يرجى كتابة : تعليقك